آخر الأخبار

الخرطوم.. التسول بين الاحتياج والاحتيال

الخرطوم – بهجة عماد عبد الرحمن

قالت النازحة القادمة من ولاية شمال دارفور (ف. م) التي تبلغ نحو 35 عاما إنها تمتهن التسول بالخرطوم، منذ العام 2005، بسبب الظروف الاجتماعية القاسية التي عقبت وفاة زوجها، وتحمُّلها مسؤولية 8 أطفال، هم أبناؤها.

وعابت المتسولة، في تصريح لـ(سلا نيوز)، على السلطات الحكومية عدم القيام بدورها تجاههم، عدا وعود من قبل محلية الخرطوم لكنها لم تر النور.

وقالت إنها لم ترتد جهات الدعم الاجتماعي في السودان لجهلها بمكانها. وجزمت بعدم تركها مهنة التسول حتى تنظر الجهات المختصة وتمد لها بالعون.

تفشي الفقر

وصار التسوُّل في السودان من أكثر الظواهر انتشاراً لأسباب مختلفة، وتعد من الظواهر الاجتماعية غير الإنسانية، بسبب تفشي الفقر وتردي الأوضاع الاجتماعية.

ويوجد في السودان متسولون بأعداد كبيرة ومستمرة تحتويهم الطرق عامة وطرق العاصمة السودانية على وجه الخصوص.

وقال موسى محمد (شاهد عيان)، إن الظاهرة صارت مشهداً يومياً في الشوارع، حيث يوجد العديد من المتسولين من ذوي الاحتياجات الخاصة وليس لديهم مأوى عدا الشارع رغم ظروف البرد القاسية، وقال إن الدعم الوحيد يتلقونه من الخيرين عابري الطريق.

وذكر أنه بعد غياب شرطة أمن المجتمع برزت الظاهرة بشكل كبير.

وقال وزير الرعاية الاجتماعية أحمد بخيت، لـ(سلا نيوز) إن لديهم خطة موضوعة وكاملة للعام 2003 لمعالجة ظاهرتي التسول والتشرد، وذلك بتخصيص مراكز إيواء لهم ودراسة أوضاعهم بالتفصيل وكيفية التعامل معهم.

جريمة منظمة

وقالت الصحفية المختصة في الجريمة، رجاء نمر، لـ(سلا نيوز)، إن التسول صار الآن ظاهرة تندرج تحت الجريمة المنظمة، وتندرج تحت قانون الاتجار بالبشر.

وكشفت رجاء عن وجود أحياء عشوائية في الخرطوم مقفولة بالمتسولين، وهي تشكل خطورة أمنية على الأمن الداخلي، وهي جريمة مهددة للأمن المجتمعي.

وأكدت رجاء أن الظاهرة أصبحت تحوي دعارة مقننة في الشارع العام، حيث تظهر بعض المتسولات بكامل زينتهن.

وقالت رجاء إن الإضراب الأمني أسهم بشكل كبير في تنامي الظواهر السالبة بكل معانيها.

وأكدت رجاء فشل الحكومة في إرجاع المتسولين القادمين من دول الجوار إلى دولهم بسبب ارتفاع التكلفة المالية.

أشباع الرغبات

وأوضح أحمد محمد أحمد اختصاصي علم النفس الجنائي بكلية التقنية والعلوم الصحية جامعة الرباط الوطني، أن التسول ظاهرة تؤثر في جوانب متعددة منها المعطي، وأسرة المتسول، والدولة بصورة عامة.

ودعا الأسرة إلى إشباع حاجات أبنائها، لأن ذلك يلعب دورا كبيرا في الجانب النفسي ثم يتدرج ذلك لإشباع حاجات أخرى كالأمان والاحتواء، لأن الإنسان غير المشبع قد يسعى إلى إشباع حاجاته بطرق غير سوية. وتابع: “إذا كانت الأسرة تمتهن التسول للتكسب، فهي تؤثر في مستقبلهم وتجعلهم يشبون على هذا السلوك”.

أشكال العنف

وحث الأسر إلى مراقبة أطفالها ومنعهم من الخروج إلى الشارع للتسول، لأن للشارع سلبيات كثيرة جدا، فقد يتعرض هذا الطفل للتحرش أو الاغتصاب وجميع أشكال العنف النفسي والجسدي، وإذا لم يتمكن من الحصول على النقود قد يرتكب جنحة وقد يتحول إلى مجرم في المستقبل، وهنا يجب تفعيل دور حماية الأسرة والطفل، ودعم هذه الوحدة بكافة احتياجاتها من كوادر متخصصة إلى وسائل نقل ووسائل توعية، حتى تتمكن من القيام بالدور المناط بها.

وتساءل عن دور الرعاية الاجتماعية في دعم هذه الشرائح الضعيفة والمتعففة لتوفير كل ما تحتاجه لحياة كريمة.

وقال إن هناك فئة أخرى خرجت لامتهان التسول والتكسب من خلاله.

وذكر أن هناك شركات ومؤسسات تسعى لتفكيك المجتمع السوداني بهذا النوع من الظواهر السالبة.

وأشار إلى أهمية تدعيم دور الأمن القومي، ليس من قبل الشرطة المجتمعية فحسب، بل لا بد من أن تتضاعف كل الجهود لتكون يداً واحدة في الحد من هذه الظواهر السالبة.

وأضاف: “إذا كان هناك أي خلل في أي منفذ من المنافذ هذه قد يؤدي إلى خلل في المجتمع كله كما هو الحال الآن”.

وذكر أن هناك دولاً غير صديقة تتربص بالسودان وأمنه، لذلك تستهدف المجتمع بممارسات وسلوكيات خاطئة كإدخال المخدرات والعادات الضارة التي لا تنتمي لأخلاقيات الشعب السوداني، وهذا يؤدي إلى هدم الأسر والمجتمع والدولة وإنتاج مظهر غير حضاري.

ونوه إلى أنها مشكلة كبيرة جداً على المستويين المحلي والدولي يجب على الدولة مجابهتها بأكبر الإمكانيات.

وحول الجانب القانوني للتسول، شدد أحمد على أهمية دور الحكومة في التقليل والحد من هذه الظاهرة والظواهر الأخرى، مشيراً إلى أن الدور الأكبر يعود إلى أفراد المجتمع كافة.

استدرار العطف

وحول تحليله للجريمة في الوقت الحالي، أوضح أحمد أنها تتزايد بشكل مخيف في كل عام، مشيراً إلى أن التسول قد يكون أحياناً إحدى وسائل وقوعها، متسائلاً: “أين يكمن التقصير؟ وما هي المشكلة الأساسية؟ هل لأن أئمة المساجد لا يقدمون الإرشاد بالشكل المطلوب، أم الوزارات لم تقم بدورها الفاعل، أم أن القوانين ليست رادعة بما يكفي أم لم تطبق بالشكل الصحيح، أم المؤسسات التعليمية غير فعالة؟”.

ويستخدم المتسولون العديد من الأساليب، كالطلب المباشر للمساعدة، أو باستخدام المستندات، أو تلاوة القرآن والمدائح والقصائد النبوية، أو بحجة عمليات طبية، واستدرار العطف بحمل الأطفال الصغار، فضلاً على أساليب غير مباشرة كمسح زجاج السيارات، وتسوية الحفر في الشوارع، وطلب مقابل لذلك من أصحاب المركبات.

مكافحة الظاهرة

وشكلت حكومة الخرطوم، في وقت سابق، لجنة عليا، للحد من ظاهرة التسول بالولاية، تضم مختلف السلطات المعنية.

وكثيرا ما صدرت تعليمات وتوجيهات تشدد على حسم ظاهرة التسول وعدم المجاملة في إنفاذ القانون الخاص بمكافحة الظاهرة، وضرورة حصر المتسولين، وتصنيفهم وتقديم مقترحات بحلول جذرية وشاملة للظاهرة، لكن لم تكتب لها الاستمرارية، بحيث تتمكّن من مكافحة الظاهرة أو الحد منها والقضاء عليها بصورة جزرية.

وتتزايد ظاهرة التسول بسبب حدود السودان الممتدة والمفتوحة والمتاخمة لأكثر من سبع دول، بجانب التداخل القبلي الحدودي، مما يسهل التسلل من دول الجوار والدخول بأعداد كبيرة.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.