الخرطوم – عصمت عبدالله
في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات أطاح السودانيون – عبر انتفاضة شعبية عمت كل أرجاء البلاد – بنظام البشير، الذي جثم على صدر البلاد لنحو ثلاثين عاماً.
ويظل اليوم راسخاً في أذهان السودانيين، وتظل ذكراه تطل كل عام تحيي فيهم عنفوان القوة والصمود.
في فجر الحادي عشر من أبريل من العام 2019م، استيقظ السودانيون على أصوات موسيقى عسكرية موحدة بمحطات الإذاعة والتلفزيون المحلية، مع تنويهات بـ (بيان مهم) من القوات المسلحة، توحي بتاريخ جديد يُكتب للبلاد.
في سويعات معدودات كانت قد وصلت إلى محيط القيادة العامة جموع من السودانيين تدفعها بُشريات النصر المؤزر، وبالأمل الباكر لميلاد وطن جديد حلم به أبناؤه ورأوه ماثلاً في وجوه شبابه قبل كهوله، وهم يتدافعون نحو مكبرات الصوت وهي تعدهم بدنو الفرح، ولم تتوقف هتافات وهدير المعتصمين رغم الرهق والجهد الذي بذلوه طيلة أيام الاعتصام، ورغم المحاولات المتعددة من قبل القوات الأمنية لتفريقهم، وقد شهدت الأحداث – حينها – صداماً بين هذه القوات والجيش، في محاولة الأخير للدفاع عن المعتصمين.
ولم يمض من الوقت الكثير حتى خرج وزير الدفاع – آنذاك – الفريق أول عوض بن عوف ببيان للسودانيين، معلناً الإطاحة بنظام عمر البشير والتحفظ عليه في مكان آمن، إلى جانب اعتقال قيادات الحزب بمن في ذلك رئيس الوزراء محمد طاهر أيلا، رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم أحمد هارون، عضو المؤتمر الوطني عوض الجاز ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين والنائب السابق بكري حسن صالح وعلي عثمان محمد طه، معلناً نفسه رئيساً للمجلس الانتقالي.
رئيس ليوم
ورغم دموع الفرح التي ذُرفت والرقص والهتافات بإعلان النصر، من قبل المعتصمين ومن آزرهم، إلا أن تلاوة بن عوف للبيان وتقلده رئاسة المجلس العسكري بصفته وزير الدفاع، لم يشفعا له من قبل الغالبية العظمى ليمكث في المنصب أكثر من أربع وعشرين ساعة، لجهة أنه نائب للرئيس المعزول عمر البشير، وامتداد لنظامه.
وفي اليوم الثاني – أي 12 أبريل نيسان 2019 – استقال ابن عوف من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي المشكل حديثا، وعين عبد الفتاح البرهان رئيساً ومحمد حمدان دقلو نائبا للمجلس.
وعقب أدائه اليمين الدستورية لاستلام مهامه رسميًا أعلن البرهان مجموعة من القرارات بما في ذلك التعهد بتشكيل (حكومة مدنية) والتأكيد على أنّ أولوية المجلس الرئيسية هي (الحفاظ على الأمن العام).
ضربة البداية
بدأت الاحتجاجات في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، في مدينة عطبرة في الشمال بعد احتجاجات على ارتفاع الأسعار وانعدام السيولة النقدية في البنوك والصرافات الآلية. وأضرم محتجو عطبرة النيران في المقر المحلي لحزب المؤتمر الوطني، حينها أعلن المسؤولون حالة الطوارئ في المدينة. وتمددت الاحتجاجات بشكل متسارع إلى بقية أنحاء السودان عقب تصريحات بشأن رفع الدعم عن الوقود خاصة البنزين، في ظل معاناة الشعب السودان من أزمة اقتصادية قاسية، قبل أن تنتقل الاحتجاجات يوم 25 ديسمبر/ كانون الأول 2018 بمطلب إسقاط النظام لأول مرة، وتزايدت بعد ذلك بوتيرة متسارعة أعداد المحتجين وأوقات الاحتجاجات.
وفي الثالث من يناير كانون الثاني 2019 خرجت مطالبات للبشير بالتنحي مع انتشار الاحتجاجات في أنحاء السودان بقيادة تجمع المهنيين السودانيين، وقوى الحرية والتغيير.
وفي فبراير/ شباط 2019 أرجأ النواب تعديلات على الدستور لأجل غير مسمى بعد أن كانت ستسمح للبشير بالترشح لولاية جديدة.
وفي مارس/ آذار 2019 وعد البشير بإجراء حوار مع المعارضة مع استمرار الاحتجاجات على الرغم من إجراءات الطوارئ وتخلى عن سلطاته في زعامة الحزب الحاكم.
وفي السادس من أبريل/ نيسان 2019 – وصل آلاف المحتجين محيط القيادة العامة وأعلنوه مقراً للاعتصام، حتى جاء اليوم الحادي عشر من أبريل/ نيسان 2019 الذي أعلن فيه وزير الدفاع عوض بن عوف على التلفزيون الإطاحة بالبشير واعتقاله.
ما الفائدة؟
مرت ثلاث سنوات ولا تزال البلاد ترزح تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والأمنية المتراكمة، رغم الوعود التي أطلقتها قيادة البلاد، ليبقى التساؤل قائماً عن جدوى الانقلابات إن لم تكن ذات معنى ومغزى وفائدة.
رئيس المجلس السيادي البرهان، سمّى ما أقدم عليه في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الثاني بالإجراءات التصحيحية، ووعد بإكمال مطلوبات العدالة والانتقال، مفوضية صناعة الدستور، مفوضية الانتخابات مجلس القضاء العالي، المحكمة الدستورية، ومجلس النيابة قبل نهاية شهر نوفمبر من العام الماضي.
ويعيش السودان سيولة أمنية وأزمات اقتصادية، رغم ما ذكره البرهان بأن “نعمل جميعا ابتداءً من اليوم – 25 أكتوبر تشرين الثاني الماضي – وحتى قيام الانتخابات العامة في يوليو من العام 2023 على تحسين معاش الناس، وتوفير الأمن والطمأنينة لهم، وتهيئة المناخ والبيئة المناسبة للأحزاب لتعمل من أجل الوصول للموعد المحدد للانتخابات”، ضارباً بوعده عرض الحائط.
وتعود ذكرى الحادي عشر من أبريل الثالثة وتزال البلاد تشهد احتجاجات ابتدأت مواكبها منذ الخامس والعشرين من أكتوبر رفضاً لانقلاب الجيش بقيادة البرهان على السلطة المدنية، ومطالبة بالقصاص لقتلة المحتجين والحكم المدني، كما تشهد البلاد ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع والوقود وتردياً في الخدمات إلى جانب انهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.