آخر الأخبار

السودان .. “بائعة الورد” .. سحر وابتسامة وإنهاء خصومة

الخرطوم – هديل عماد الدين

في ظل ظروف اقتصادية صعبة وسوق عمل مكتظ وفرص شحيحة، كان الحل الوحيد لسد رمق العيش هو البحث عن حلول بديلة.. مساجد محمد محمود هي إحدى الشابات اللاتي يكافحن من أجل العيش الكريم، عملت ممثلةً وعارضة أزياء، لكنها تقول إن هذه المهن لا تدوم والعروض فيها قد تأتي من وقت بعيد لآخر، فما كان لها إلا أن تبحث عن شيء أكثر استمرارية، فكان للورد في حياتها بصمة السحر، عملت مساجد بائعةً للسعادة في شوارع الخرطوم، فهي تبيع الورد للمتخاصمين وتجلب الابتسامة.

أحلام

كان للدراما التلفزيونية تأثير كبير في حياة مساجد، ما جعل حلم بائعة الورد في حياتها واقعاً ماثلاً، أن بيع الورد كان مجرد حلم لطفلة متأثرة بخيال درامي، ولكن ضغط المعيشة دفعها للجوء لتحويل هذا الأمر إلى واقع تم تنفيذه.

صناعة السعادة

كانت البداية عام 2020م، تقول مساجد لـ (سلا نيوز) إن رأس المال الأول الذي بدأت به المشروع كان 3,000 جنية سوداني لا غير، حاولت من خلاله توفير أكبر قدر من الورود حتى تستطيع بيعها، لكن وجدت أن الورد الطبيعي برغم جماله إلا أن سعره غالٍ ولا يتناسب بشكل جيد ما ميزانيتها، فاكتفت بشراء عدد قليل منه، وبرغم ذلك كان الورد سريع الذبول ولا يصمد كثيراً مع ارتفاع درجة الحرارة أثناء سيرها الطويل لإقناع المارة بالشراء. تلقت نصيحة من أحد الأصدقاءن وهي أن تلجأ إلى ما يعرف بالورد الصناعي، فهو أقل تكلفت وأطول عمراً، استهوتها تلك النصيحة ودفعتها للذهاب مباشرة لشرائه، حيث عبرت بالقول إن سعر الورد الصناعي بالجملة ما يعادل 100 قطعة وتقدر بـ 4000 جنيه بالإضافة إلى ما تحتاجه الورود من عطور ومستلزمات أخرى، فيصل المبلغ إلى 8000 جنيه، حيث يبلغ إجمالي دخلها اليوم 30,000 جنيه سوداني، تستخدم العديد من العطور لإضفاء رائحة مميزة لورودها منها عود الصندل وماء الورد، وهي من العطور المحببة لدى الكثيرين.

عند سؤالنا لها عن سعر الوردة الواحدة تقول إنها تبيع الورد بما يقارب 500 جنيه سوداني، وهذا السعر قابل للتفاوض، أي أنها لا تتمسك بهذا السعر، ولكن هدفها هي أن تبيع كل ما لديها لتكسب الكثير من الزبائن، ما يدفع المتعاملين معها للشراء منها وهم مبتسمين.

ترى مساجد أن أمتهان بيع الورد بالنسبة إليها هو الخيار الأفضل، ذلك لما له من ثبات في الدخل، على حد تعبيرها، تقول إنه برغم تذبذب دخلها اليومي غير الثابت، إلا أنه يعود عليها بالنفع الكثير، فهي تبيع يومياً كامل مخزونها من الورد الذي لديها، ونادراً ما يكون لديها فائض يرجع، حيث تباشر عملها كل يوم من الساعة 12 ظهراً وحتى الـ 11 ليلاً، لتعود بعدها في اليوم الثاني وتبدأ من جديد، لذلك ترى أن ما تنفقه على مستلزمات هذه المهنة لا يعود عليها بالخسائر، ولكن يكسبها أرباحاً تكون راضية عنها.

عثرات طريق

عند سؤالنا لها عن الصعوبات التي واجهتها أجابت بالقول إنها لا تواجه الكثير، غير أن المجتمع يتعامل معها بشكل حميد ويتقبل فكرة بائعة الورد في شوارع الخرطوم، فهي تلاقي الكثير من الدعوات الطيبات من قبل المارة والمشترين الذين يسعون لمساعدتها، وذلك من خلال شراء الورد منها، إلا أنه وبرغم ذلك تواجه القليل من الصعوبات من قبل بعض الشباب؛ بحكم أنها فتاة تبيع الورد؛ ما جعلها تلفت انتباه الكثيرين، وذلك لندرة المشهد في حد ذاته، وهو رؤيتها تقف على أرصفة الشوارع مبتسمة حاملة باقات الورد وتنادي بالسعادة، إلا أنها تقول إن هذا الأمر لا يمثل الشيء الكبير بالنسبة لها، فهي تسعى لكسب العيش الحلال ومجاراة الظروف الاقتصادية المتدهورة. كل ذلك يجعل منها شخصاً قادراً على الوقوف بسعادة لتنال رزقها، وأن دعوات الأطفال والمتخاصمين لها بالسعادة والرزق الوفير كفيلة بأن تجعلها راضية بما تعمل وما تحب.

انعطاف

عملت مساجد ممثلةً وعارضة أزياء في فترة من الزمن، كانت البداية الحقيقية لها في مجال المسرح عام 2019م، وذلك من خلال عمل مسرحي يسمى الراقصة الأفريقية، مما فتح الباب لها في هذا المجال، وتوسعت حتى دخلت المجال الدرامي، وذلك من خلال مشاركتها في الدراما التلفزيونية (ورجغة)، وكان آخر أعمالها مسلسل (سكة ضياع)، مثلت فيه شخصية (انتصار) وهي زوجة الطاهر تلك الأم المكافحة لأولادها، والمسلسل كان من إخراج هيثم الأمين، وعرض في شهر رمضان الماضي على قناة سودانية 24. وتقول إنه وبرغم صغر ذلك الدور، إلا أنه فتح لها الكثير من الأبواب في هذا المجال، وجعلها تدخل في مجال عرض الأزياء، كذلك شاركت في العديد من العروض وأتيحت لها كذلك فرصة العمل في مجال الإعلانات، إلا أنها برغم ذلك تقول إن العمل في هذه المجالات يعد عملاً غير مستقر، وذلك لأن العروض فيه تأتي على فترات متباعدة وجدول غير ثابت.

كفة ميزان

عند سؤالنا لها عن مستقبل العمل وعلى ماذا سيقع اختيارها مستقبلاً ما بين التمثيل وعرض الأزياء وبيع الورد، فمال ميزانها لكفة الورد. وعبرت قائلة إن بيع الورد يعد عملاً يكفي احتياجاتها اليومية، ويتناسب معها بشكل كافٍ بعكس مجال التمثيل أو عروض الأزياء والتي تأتي بعد شهور أو في العام مرة واحدة، وأنها تأمل أن تقوم بتوسعت عملها في مجال بيع الورد لتفتتح محلها الخاص والذي ستوسعه ليشمل بيع الورد وتجهيز مسلتزمات الأفراح كذلك من زينة وغيرها، ويكون هو مصدر دخلها الأساسي الذي تعتمد عليه.

في ختام حديثها قالت مساجد إن العمل لا يعد جريمة أو ذنباً، وكسب العيش الحلال هو أكرم بكثير من طلب المساعدة. وناشدت جميع الفتيات اللاتي لديهن أفكار ومشاريع غير منفذة أو مكتملة أن يباشرن بها ولا يتوجسن في فكرة العمل الخاص، فهو راحة وستر، وأن الرزق لا يأتي إلا من الله، وعلى الجميع أن يجتهد ليحقق ما يريد.

 

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.