الخرطوم – بهجة عماد
جرت العادة أن يقوم السودانيون بتزيين منازلهم مع نهاية رمضان بالألوان المبهجة إيذانا باستقبال العيد، لكن هذا العام تبدلت هذه الألوان بالأسود والرمادي وباتت المنازل حطاماً مبعثراً، هجرها سُكانها فصارت خاوية على عروشها.
وأما المنازل التي لا يزال ساكنوها يحتمون بها سلبت منها البهجة وتعالت أصوات الذخيرة ودوي الانفجارات والمقذوفات بدلاً من ضحكات الأطفال وأصبح الرعب والخوف والهلع تملأ المكان.
في ظل استمرار الاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع التي اندلعت منذ صباح السبت 15 أبريل نيسان في الخرطوم، قتل مئات المدنيين وفقًا للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، وسيطرت الأحزان على غالبية الأسر السودانية وانعدم الأمن ما أفقد العيد مذاقه الخاص.
وقد شهدت البنى التحتية والمرافق المهمة بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى تدميرًا ممنهجًا في جراء الاشتباكات المسلحة بالأسلحة الثقيلة والقصف بالطائرات.
الهجرة إلى الأقاليم
قال الصحفي عثمان لـ(سلانيوز) إن ما يحدث الآن شيء مؤسف من قبل القادة العسكريين “والشعب ما عندو علاقة بيه وعلى الجنرالات وقف اطلاق النار والعودة للحوار لأن الحرب تبعاتها كثيرة والشعب هو من يدفع الثمن”.
وضرب مثالا بنزوح المواطنين للولايات بشكل كبير هربا من جحيم الحرب التي ليست لديها سقف زمني ولا تعرف نهاياتها في ظل أوضاع إنسانية وكارثية.
وأضاف “مظاهر العيد اختفت تمامًا في ظل استمرار دوي المدافع وإطلاق الرصاص من قبل طرفي النزاع رغم الإعلان عن هدنه لمدة 24 ساعة”.
وفي السياق، أبدت إجلال اسماعيل التي تسكن شرق النيل شرقي العاصمة الخرطوم، تفاؤلها رغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد. وأضافت “هذا الوضع قد يخرجنا أفضل مما كنا عليه، رغم تدمير مباني الخرطوم وجميع مرافقها إلا أن هذا الوضع قد يحدث نقلة لنرى الخرطوم بصورة أجمل مما كانت عليه”.
وقالت إنها قامت بالترتيبات لاستقبال العيد المبارك رغم سماع أصوات الرصاص عن قرب، إلا أنها لا تريد أن يوثر الوضع الحالي في فرحتها بحلول العيد “لأن شعور فرحة العيد شيء منذ الصغر شبت عليه وهذا من سنة الرسول عليه السلام”، حد تعبيرها.
فيما أبدى ضياء الدين إبراهيم الذي يسكن في مدينة أم درمان أسفه لما يحدث من مواجهات مسلحة في قلب المدن. وأردف “نحن في حسرة شديدة ولله.”
لمن تشوف الأطفال بسألوا من أنواع الأصوات البسمعوها من الرصاص والأعيرة النارية بدلا من السؤال عن الألعاب وملابس العيد”.
وتشير مروة النميري، في حديثها لـ(سلانيوز) إلى أن الوضع في حي عد بابكر الذي تقطن فيه بشرق النيل آمن إلى حد كبير. وتابعت “بس دا م يعني أنو نحن ما معرضين للخطر تحت أي لحظة بديت أجهّز للعيد رغم الظروف الصعبة دي بس عشان خاطر أفراح أولادي وشتت أفكارهم بالعيد وأطمنهم من التوتر والخوف العاشوا فيه”.
وأضافت “عندما ذهبت أمس لشراء الملابس لهم من أحد الأسوق وجدت حركة الناس في السوق جيدة ويقومون بالشراء لكن ليس بنفس الأعداد كما في الأعياد السابقة”.
ومضت قائلة “رغم الظروف والأسى والبؤس الظاهر على وجوه الآباء والأمهات أدركت أن ضحكة طفل واحد من أطفالهم قادرة على إخفاء هذا البؤس”.
يقول الصحفي بشير النور الذي غادر إلى أسرته في مسقط رأسه قرية الكسمبر بولاية الجزيرة “من المعلوم أن عيد الفطر يمثل أكثر الأيام فرحًا بعد انتهاء شهر رمضان المعظم لكن عيد الفطر هذا يجيء في ظل أحداث دامية يشدها السودان بسبب الحرب بين الجيش و الدعم السريع”.
وأضاف: “في ظل هذه الظروف القاسية التي تشهدها البلاد وماحدث من مقتل المئات وجرح الآلاف فإنني ليس لدي إحساس بفرحة العيد هذا العام”.
وبدا الحزن واضحًا على إسراء منور التي تسكن بحي الأزهري جنوب الخرطوم والذي يشهد ضربات بأسلحة ثقيلة ومقذوفات نارية وقصف جوي ما أدى إلى انهيار انهيار العديد من المباني وسقوط قتلى جلهم من المدنيين.
وقالت لـ(سلانيوز) “أتمناها أن تكون آخر الأحزان، أنا حزينة جدا جدا وما عارفة أعبر حتى عن كمية الوجع والحسره الحاسة بيها ماف طعم لي أي حاجة حرفيا الواحد لما بفكر لي لحظه في الحاصل دا بيتمنى انو يكون حلم أو كابوس”.
واستطردت “أتمنى أن تنتهي الحرب وترجع الأيام إلى طبيعتها ويطمئن الأطفال بعد الخوف الذي عاشوه ويتناسون الأحداث التي مرت عليهم” غير أنها لم تخفٍ أملها بانجلاء الأزمة.
ويرى ناصر خليل الذي ينحدر من ولاية الجزيرة وسط السودان أن الأوضاع في السودان صارت صعبة “والعيد شعور مؤسف وظروف سيئة وتعقيدات السبب فيها القوات المسلحة والدعم السريع”.
وأشار إلى أن كل طرف فيهم يعتقد أنه الفائز والمنقذ للبلاد. وأضاف “الوضع لا ولن ينصلح في الوقت القريب فإصلاح المرافق العامة التي دُمرت يحتاج إلي وقت طويل و هذا خصمًا علي المواطن السوداني فالقضية أكبر من كلا الطرفين والوضع لا يستطيع أحد أن يتكهن بنهايته”.
من جانبها قالت إيمان أبو القسم إنها تفتقد إحساساً بالعيد في ظل نزيف الوطن حد قولها وسقوط عدد من الضحايا بينهم أطفال وانهيار المنازل.
وتابعت في حديثها لـ (سلانيوز) “حاجة صعبة انك تكون قاعد في مكانك ويقوليك عندك صديق أتوفى قريبك من حته أتوفى بي طلقة طائشة، فمستحيل تحس بي طعم للعيد”.
وقالت “بجد قلوبنا علي البلد لأنو م حاجة هينه البحصل فيها من خراب وحروبات ودي حاجة صعبة ومافي زول بقدر يستحمل ولا أعتقد انو في زول يقدر يعيد ويفرح بالعيد في والوضع الراهن”.
وأضافت الصحفية عايدة قسيس لـ(سلانيوز)، “إن حزنا يخيم على البيت والمنطقة.. أغلب الأسر أبناؤها يا في الجيش أو الدعم السريع والكل أبناء السودان فإذا مات منهم أحد فيه حزن شديد وإذا ماتا الاثنين الحزن أكبر”.
وتحدثت بأسى و حزن شديد عن شقيقها الذي ينتمي إلى الجيش السوداني (القوات المسلحة) وقالت منذ أن اندلعت الحرب وهو بالقيادة العامة (بالبرية) لم يأت المنزل إلى الآن .. وهو يطمئنا باتصالات أحيانا عندما يجد فرصة .
وأردفت أنهم مؤمنون بأنه يؤدي واجبه لكن ما تمر به البلاد تجعل القلوب قلقة.
وأضافت، “اليوم العيد رغم أنه فرحة خاصة بعد الصيام إلا أننا لم نذق طعم العبد . ونرفع الأكف بأن يحمي العباد والبلاد .. وأن يرجع عمر و رفاقه في أمن وأمان هذا سيكون يوم عيدنا”.