آخر الأخبار

حرق سلك الأواني “اللماع”.. الأطفال يلعبون بالموت

الخرطوم – ريم إبراهيم

في العام الماضي في مثل هذه الأوقات خرجت طفلة ذات أربع سنوات من منزلها بولاية الجزيرة فوجدت الأطفال مندهشين برؤية الشرار المتناثر في الجو مع حركة أيديهم الممسكة باللماع المشتعل.. واصلت السير في خطىً بطيئة تجاههم، ولكنها لم تكن تدري أنها آخر خطواتها، لم يتوقف الأطفال عند مرورها لاتهامهم وسرورهم باللعب، فهم لم يدركوا خطورة ما يقومون به، تشبثت أحد شرارات النار المتطاير بثياب الطفلة ولغياب الأهل لم تعرف طريقة التصرف، فظلت تركض في المكان في خوف كبير، مما زاد اشتعال النار بسبب زيادة سرعة الهواء، وانتقلت إلى جسدها حتى أصيبت بحروق بالغة توفيت متأثرة بها.

تكثر القصص والحكايات عن هذه اللعبة، وتختلف مخاطرها من مكان إلى آخر، وطالت أضرارها جميع ولايات السودان، ومن الأطفال من توفي جراءها، في جولة لـ(سلانيوز) وقفنا فيها على بعض هذه المخاطر جمعت فيها آراء بعض الناس.

ترى عسجد دقاش أن هذه اللعبة تحتاج إلى جهود مكثفة من الأسر والجيران للتغلب عليها في حالة وجدوا أطفالا يمارسون اللعبة، وذلك بمنعهم وجلدهم إذا اضطر الأمر وأيضا تقع المسؤولية على عاتق أصحاب المتاجر، فلابد من امتناعهم عن بيع سلك اللماع للأطفال.

وقالت زينب أتم “أصيب طفل بمدينة الفاشر بعد خروجه من المنزل قام الأطفال برمي شظايا السلك عليه ما أدى إلى دخولها في عينه، فأصابت الجفن بجرح عميق وتسببت باقتلاع العين، الآن هو يعيش بعين صناعية”.

أما همسات فتقول إنه عند ذهاب الناس لأداء صلاة التراويح يقوم الأطفال باللعب وبحكم قربها من مكان لعبهم، فدائما ما تتطاير الشظايا إلى بيتها، وجاءت النار على وجه ابنتها، ولكنها لم تصبها لقربها منها الأمر الذي مكنها من إبعاد النار عن طفلتها، أصيبت همسات بالفزع لأن لديها ماضياً ليس بجيد مع هذه اللعبة لأنها تسببت في حرق وجه ابن خالها وشوهته بعد أن رمى الأطفال شظايا اللعبة عليه، وأصبح يركض منهم، ولكنهم أمسكوا به ظناً منهم أنهم يلعبون مما تسبب في حرق وجهه.

ووافقتها الرأي أم لدن بقولها إن يمكن للشظايا أن تتسبب في حرق المنازل، لأنها تسببت في حرق فِراش جارتها الذي كانت تضعه في فناء منزلها، وبفعل الهواء تطايرت الشظايا إلى فنائها وتسببت في الحريق. وقالت إنها في حيرة من أمرها فمازال الأطفال يلعبون بها على الرغم من خطورتها وناشدت الأسر في إبعاد أطفالهم عنها حتى وإن اضطر الأمر إلى معاقبتهم.

كما أن للكبار مناشط اعتادوا القيام بها في شهر رمضان فإن للصغار كذلك احتفائية خاصة بقدوم الشهر الفضيل.

يقوم الأطفال في كل مكان تقريباً، باشتعال ما يسمى سلك اللماع، وهو أحد الصناعات المحلية يُستخدم في جلي الأواني المنزلية، يحتوي على مواد تتفاعل مع الأوكسجين عند حرقها كما تتفاعل مع بعضها البعض، مما يجعلها قابلة للاشتعال، لذلك يقوم الأطفال بإشعال النار عليه فيضيء ليالي رمضان في الأحياء، يبدأ اللعب به عن طريق الإمساك بأحد أطراف السلك المشتعل ومن ثم الالتفاف به بحركة دائرية تجعل شظايا النار تتطاير إلى الأفق، فتصبح وكأنها اللعاب نارية، يُكرر الأطفال هذه اللعبة مساءً في الوقت الذي يجمع الكبار لأداء صلاة التراويح، وذلك خوفا من تلقي العقاب من قبل ابائهم لإدراكهم خطورة هذه اللعبة، ولأن الأمهات لا يسمحن بإهدار مواد المطبخ بهذه الطريقة لذلك يختار الأطفال هذه المواعيد تحديدا.

أطباء يحذرون

وقد شرع بعض الأطباء في مواقع التواصل المختلفة بتخصيص جزء من منشوراتهم يوميا، منذ دخول الشهر الفضيل  بالتحذير من خطورة هذه اللعبة من ضمنهم الطبيب الشريف الفضل، الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي بقوله يمكن للشظايا المتطايرة من هذه اللعبة أن تؤذي أطفالكم، وذلك بدخولها في أعينهم مما يتسبب في أضرار كارثية، وواصل حديثه عن دور الأهالي في إبعاد أطفالهم عن ممارسة هذه اللعبة.

ثمن زهيد

عبد العزيز مبارك هو أحد الأطفال الذين يلعبون هذه اللعبة، ففي رمضان يتوفر سلك اللماع في الدكاكين والبقالات بأسعار زهيدة تتراوح ما بين 200 إلى 300 جنيه يحصل عليها من متبقى مصروفة المدرسي. وقال إن الأهالي يقدمون لهم النصح قبل اللعب بالحفاظ على أنفسهم والبعد عن مصادر الرياح لخطورة هذه اللعبة.

طريقة اللعب

أضاف عبد العزيز “يكون اللعب في شكل جماعي بين أزقة الحي ويبدأ الأطفال بالتناوب واحد تلو الآخر، فعندما ينتهي سلك أحدهم يتقدم التالي، ويتوقف عن اللعب حين يأتي المارة على الطريق، حتى لا يؤذوا الآخرين”.

شظايا تتطاير

وأوضح الطفل محمد علي أنهم يحبون هذه اللعبة على الرغم من معرفتهم بخطورتها، ولكنهم يلتزمون بالاحتياطات لحماية أنفسهم وحماية الآخرين، فهم يفضلونها لأن منظر الشرار المتطاير يشعرهم بالرغبة في الاستمرار باللعب إضافة إلى أنهم لا يملكون النقود الكافية إلى شراء الألعاب النارية، فيلجأون إلى سلك اللماع لرخص ثمنه.

لم رمضان؟

ويرى الأستاذ مالك عطية أن الأطفال يفضلون هذه اللعبة في شهر رمضان تحديدا لأنه الزمان المناسب في نظر الأطفال، للقيام بها وذلك لوجود الناس في الشوارع واستمرار حركتهم، مما يتيح للأطفال الوجود في الشارع لأطول وقت ممكن وممارسة ألعابهم التي ينتظرون رمضان للقيام بها، وذلك لشعورهم بالأمان جراء حركة الناس، كما أنها تعد لعبة تراثية وجُدت منذ زمن طويل ولا يكاد يوجد أحد منا لم يلعبها من قبل كلنا لدينا تاريخ وحب قديم لهذه اللعبة كما كنا نطلق عليها مفرقعات المساكين للرخص ثمنها مقارنة مع الألعاب النارية، لكن يجب الحرص عند اللعب بها، فهي لعبة بسيطة، ولكنها في غاية الخطورة.

وقال عطية إن الأطفال يأتون إليه لطلب المال لشراء سلك اللماع، وإنه لا يمنعهم، ولكن مع تقديم بعض النصح لهم لأنه يرى أنهم سيحصلون على ما يريدون حتى وإن لم يعطهم المال، لأنهم دائماً لديهم طرق أخرى للحصول عليه.

سبب الاشتعال

وأضاف عطية، أن السبب الرئيس في اشتعال السلك عندما تمسه النار هو تفاعل احتراق الحديد مع الأوكسجين مما يكون مادة جديدة تسمى بأوكسيد الحديد، بالإضافة إلى تفاعل بعض مكونات السلك مع بعضها البعض واحتراقها، أيضا والشرارة الناتجة عنها لا تبقى طويلا سرعان ما تنطفئ ما لم يوجد مادة مساعدة على الاشتعال كتسرب بنزين من أحد السيارات المارة بالطريق، أو تشبثها بثياب أحد الأطفال، مما يجعل الأمر خطرا.

دهاء لشراء

وأكد إبراهيم دلي صاحب متجر بأمبدة، أن الأطفال يأتون إلى متجره لشراء سلك اللماع وأنه يبعه لهم ولكنه لم يكن يعلم أنهم يستخدمونه في اللعب، لأنهم يجيئون عند مطلع الشمس أو منتصف النهار، وعندما يسألهم عن أسباب الشراء يخبرونه أنه لوالدتهم، وهو في هذه الحالة لا يستطيع الامتناع عن بيعه لهم، بل وأصبح لا يستطيع التفريق بين من يريدون اللهو به وبين من ترسلهم أمهاتهم، و لعدم إثارة الشكوك، ففي المرة المقبلة لا يأتي إلى نفس الطفل، بل يتناوبون على المتجر مما جعله لا يلاحظ تردد الوجوه نفسها، الأطفال يمارسون دهاءهم حتى يحصلوا على ما يريدون، وهذا ما اكتشفه مؤخراً، فهم يتحايلون على صاحب البقالة وعلى أهلهم حتى يتمكنوا من اللعب، وقال دلي إن الفئات التي تمارس هذه اللعبة الذكور لا الإناث، فلم يحدث أن أتت إليه فتاة من قبل لشراء هذا السلك ولا حتى في الشارع لم يلحظ من قبل فتاة تلعب هذه اللعبة، فقط هم الأولاد من يسيطرون على هذه اللعبة، واختتم حديثه بأنهم كبائعين وأصحاب بقالات لا تستطيعون منع الأطفال، ولكن نراقبهم أثناء اللعب.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.