تقرير – مصطفى سعيد
مؤخراً؛ علت الأصوات المنادية بوحدة قوى الثورة، تنبع هذه النداءات من أهمية الوحدة كأمر مطلوب لحماية مكتسبات الثورة وتحقيق مطالبها. فبعد إسقاط نظام المؤتمر الوطني تفاقمت الخلافات بين القوى المدنية، وطَفَتْ إلى السطح صراعات لجان المقاومة مع القوى السياسية، مما مهَّد الطريق لاختراقات الثورة المضادة المعادية لنجاح التحول الديمقراطي.
الأكاديمي والمختص في الإدارة العامة والسياسة د. بكري الجاك تختلف وجهة نظره، حيث يرى عدم وجود دلائل موضوعية تُشير إلى وجود جفوة بين الشباب والأحزاب، وإن هذا جزء من التصورات والانطباعات، ويدلل على ذلك بأن كثير من الشباب منخرطين في أحزاب سياسية.
التقارير تقول إن السودانيين من عمر 15إلى 40 سنة يشكلون 65٪ من السكان، لذلك فإن النسبة الطبيعية لتمثيل الشباب في الأحزاب يجب أن تكون 70٪ لكن الحقيقة الماثلة هي أن الأحزاب السياسية ليست لديها القدرة على استقطاب الشباب.
يُضيف د. بكري الجاك: “التجربة العلمية أثبتت أن الناس حديثاً أصبحوا لا يُفضلون الانخراط في تنظيمات سياسية، ففي كل الديمقراطيات الراسخة ليست الأغلبية من السكان منخرطين في أحزاب سياسية، وهذا الأمر لا يعني أن هناك خللاً في الأحزاب مثلما يتصور الناس، وإنما يمكن أن نُعلله بأننا نمر بمرحلة تاريخية فيها انتقال ثقافي واجتماعي كبير، والبشر بطبعهم يميلون إلى عدم الالتزام بأي تنظيم مُقيِّد”.
إذا كانت للشباب تحفظات حول الأجسام السياسية والاجتماعية، فإن السؤال الذي يجب أن يُجيبوا عنه أنهم في أي مواعين مدنية سينتظمون لإنجاز مشاريعهم؟
فجوة وجفوة
يُصنِّف الناشط السياسي مصعب جُبارة الصراعات الجارية بين القوى المدنية ضمن صنفين أساسيين، الأول منهما صراعات مفتعلة والثاني صراعات حقيقية، حيث يرى أن الصراعات المفتلعة تقوم بها القوى المناوئة للثورة عبر انتهاجها لسياسية (فرّق تسُد) في أواسط القوى المدنية بإطلاقها لحملات التخوين العشوائية والاغتيال المعنوي للأشخاص المؤثرين. وبتراكم هذه الأفعال تضعف جبهة المقاومة وتتآكل.
أما في حديثه عن الخلافات الحقيقية؛ فإنه يقول: تعود أسبابها إلى الاستقطاب السياسي الحاد الذي مارسته القوى السياسية داخل الكُتَل والتجمُّعات الثورية، فأضحت الاجتماعات التنظيمية ساحات لتصفية المعارك الحزبية والجدل الضار، مما تسبب في نشوء فجوة وجفوة كبيرة بين القوى السياسية والشباب من جيل الثورة.
علاقة متوترة
عبد الرحمن محمد الطيب، هو أحد الشباب الذين سمحت لهم الظروف خوض تجربة العمل الساسي، وكان مدخله لذلك النشاط الطلابي، حيث التحق بالعمل السياسي ضمن أحد التنظيمات الطلابية في الربع الأول من 2017.
يتَّفق عبد الرحمن مع مصعب جبارة في أن نظام الإنقاذ عمل على مدى ثلاثين عاماً على توتير العلاقة بين الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع السوداني، لذلك حدث تنميط وسيادة انطباع في أوساط الشباب بأن كل الأحزاب السياسية لا تصلح للحكم، ما جعل الكثير منهم يعزف عن ممارسة العمل السياسي.
ويضيف عبد الرحمن: “هذا التأثير جعل معظم الشباب الذين ينتمون إلى الأحزاب السياسية من متوسطي القدرات، إضافة لذلك أن الأحزاب السياسية كانت تفتقد للرؤية الواضحة حول استيعاب الشباب بعد إسقاط النظام ليكونوا فاعلين في قيادة التحول المدني الديمقراطي”.

وكان من ضمن ما تم الاتفاق عليه في الوثيقة الدستورية التي أُبرمت بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري في 17أغسطس 2019 أن يكون تمثيل الشباب بنسبة 40٪ في المجلس التشريعي، لكن ظل قيام المجلس التشريعي سراباً وحلماً عزيز المنال. وجدت قطاعات واسعة من الشباب نفسها بعيدة عن دائرة صُنع القرار والفاعلية لانعدام المؤسسات التي كان ينبغي أن تحتويهم، فتوسعت الفجوة القائمة فوقف شباب كثيرون في خانة معارضة الحكومة الانتقالية.

شد وجذب
هناك من يرى أن المشاكل التي تُعاني منها الأحزاب السياسية التي لا يُمكن إصلاحها إلا من الداخل عبر الانتماء إليها والعمل على إحداث التغيير.
تجرَّأ شباب كُثُر وخاضوا تجربة الانتماء السياسي على أمل تثوير أحزابهم، لكنهم وجدوا أنفسهم محاطون بمجمل مصاعب، منها الفوارق الكبرى بين النظريات والبرامج التي ترتكز عليها هذه الأحزاب وتطبيقها بجانب ضعف العلاقة بين العلاقة بين القيادة والقاعدة.
يُرجع مصعب جُبارة طبيعة العلاقة المتوترة بين قيادة الأحزاب وقواعدها الشبابية إلى أنه صراع بين قديم وجديد، يقول: “العلاقة بين الشباب الحزبيين وقيادة الأحزاب مرَّت بمراحل كثيرة من الاضطراب لأن جوهر الأمر هو صراع بين ناديين سياسيين أحدهما جديد وآخر قديم، فالشباب يسعون إلى تأسيس وضع سياسي جديد قائم على رؤى وأفكار حديثة، إلا أنهم يُجابهون بسلطة المنع والتقييد وحتى الإقصاء، وتسبب ذلك في ابتعادهم وهجرهم لأحزابهم.”
حزب شاب
دائماً عندما ينسد الأُفق وتصل الصراعات إلى ذروتها يُنادي البعض بإنشاء حزب سياسي تحت وصف (حزب شاب) ليضم كل الكتلة الحرجة من الشباب.
يقول مصعب جبارة أنه لا يمكن إنشاء حزب سياسي مصنَّف بـ (حزب شاب) لأن الحزب السياسي أكبر من أن نحصره في فئة عمرية معينة، بالإضافة إلى أن أعمار الشباب لن تكون ثابتة مدى قيام هذا الحزب، وإنما آخذة في الازدياد، بجانب أن الأحزاب الحديثة ترتكز على البرامج لا على التصنيفات عمرية أو الإثنية أو النوعية.
ويرى مصعب من الأجدى أن تُفسح الأحزاب السياسية فرصة للشباب في أن يعرضوا أفكارهم، ويجدوا فرصاً أكبر في قيادة هذه الأحزاب، وحدث ضخ دماء جديدة تُساعد في تحريك الساكن.