آخر الأخبار

المشاركة السياسية للشباب.. هل تتغير المفاهيم؟

الخرطوم- مصطفى سعيد

ظلت كلمة سياسة في العقل الجمعي السوداني مرتبطة بمفاهيم سلبية، فعلى سبيل المثال توصف السياسة بأنها ”لعبة قذرة” مما جعل الكثير من الناس ينفرون ويتبنون مواقف ضد كل ما هو سياسي.

أما عن الشباب ومشاركتهم السياسية فـإنهم ليسوا بعيدين من التأثر بالمفهوم السائد، وبرغم أن السياسة تتدخل في كل شؤون حياتهم؛ وأن كثيراً منهم يتبنون آراءً وفقاً لمواقف سياسية، إلا أنه ومن الملاحظ أن العلاقة المباشرة بين الشباب والسياسة ليست على ما يُرام.
الابتعاد وأسبابه
الشاب طارق معاوية يقول: ”أذكر وبعد أن تم قبولي للدراسة في جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا- كلية الهندسة؛ أول ما تم توصيتي به من قِبَل أسرتي هو الابتعاد عن السياسة داخل الجامعة، ونفذت الوصية على أكمل وجه، فكنت أتحاشى أركان النقاش التي كانت تُقام داخل الحرم الجامعي، والخطابات السياسية، وحتى المناشط الثقافية والرياضية كنت أبتعد عنها حتى أكون بعيداً عن أي مشاكل“.

السواد الأعظم من الطلاب مرّت على مسامعهم ذات الوصية التي جعلتهم ينأون عن النشاطات اللاصفية المختلفة، وظل التبرير الذي يتكرر على الدوام، هو أن اتباع أي أنشطة غير الأكاديمية -وبصفة خاصة الأنشطة السياسية- قد تُعرّضك للمشاكل، هذا التحليل لم يأتِ من فراغ، فخلال فترة النظام البائد كانت ممارسة الأنشطة السياسية قد تُعرض الطالب للمخاطر بالفعل، ومثالاً للإشكاليات والمخاطر التي كانت تواجه بعض الطلاب جرَّاء ممارستهم السياسة، عرقلة مسيرتهم الأكاديمية بإبقائهم بذات المستوى لفترة، أو تعرضهم للفصل المدموغ بسوء السلوك، أو أن يقع هؤلاء الطالب ضحية للعنف الذي كان سائداً، أو أن يُتَّهم الطالب في قضايا ليست له بها علاقة، مثل ما تم مع طالب جامعة الخرطوم وعضو مؤتمر الطلاب المستقلين سابقاً عاصم عمر الذي اتُهم بقتل نظامي، وذاق كل صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، وتمت تبرئته خلال الأيام الأولى لثورة ديسمبر.

آدم محمد يقول: ”فكرة اتحادات الطلاب مثلها مثل أي فكرة جيدة تم تشويهها خلال حكم الإنقاذ، فهذه الأجسام غير أدائها لبرامجها الموضوعة لها، هي في الأساس تستند على فكرة التدريب على الديمقراطية من خلال الانتخاب الحُر والنزيه، وتمكين الطلاب من الحصول على حقوقهم، إلا أن احتكار هذه الاتحادات من قبل فئة محدودة جعل الجامعات أشبه بسودان مصغر يحكمه ويسيطر على مقاليد أموره الحزب الواحد، هذا الأمر جعل الكثير من الطلاب يبتعدون عن أي نشاط سياسي بالجامعات خشية الدخول في صراعات“. فيما يرى خليفة النَيَّل أن عزوف الشباب عن الممارسة السياسية يرجع إلى أسباب اجتماعية، فالمجتمع ينظر إلى السياسي على أنه مراوغ ومحتال وغير صادق؛ لذلك نجد أن تربية الأسر لأبنائها تُرسِّخ فيهم الابتعاد عن السياسة.

*مشكلة مزدوجة
يقول الشاب أمير عبد الباقي: ”في السودان هناك فجوة كبيرة بين الشباب والأحزاب السياسية، وتظهر هذه الفجوة في المواقف والآراء التي يتبناها بعض الشباب، فبعضهم موقفه عدائي متطرف؛ يرى أن الأحزاب لا تسعى إلا للسرقة والتسلُّط، أما البعض الآخر فهو مؤمن بأهمية هذه المؤسسات السياسية، لكنه يرى أنها لكي تكون بالفعالية المرجوة منها وتقنع العقول الجديدة عليها بإصلاح بنيتها الداخلية في المقام الأول، بالإضافة إلى تحديث رؤاها مع ما يتماشى المعطيات الجديدة. كما أن الطرف الثاني من المشكلة هو الكادر المحزَّب، فهو يرى أن اللامنتمي إلى حزب لا يفقه شيئاً عن السياسة، ويتعامل معه بفوقية، وهذا يزيد من عمق الفجوة“.

*مشاركة في المؤسسات
الخدمة المدنية بشكل عام عانت من التخريب المتعمد طيلة العقود الماضية، وثورة ديسمبر ظلت تنادي بإصلاح الخدمة المدنية ليستقيم الأداء تتحسن الخدمة.
وعن دور الشباب في إصلاح هذا الأمر يقول خالد جمال صاحب الـ ٢٤ عاماً والطالب بكلية الآداب بجامعة الخرطوم: ”ينبغي أن يشارك الشباب في كل مؤسسات الدولة المختلفة، وذلك لاستغلال طاقاتهم في خدمة المجتمع والبلاد، فهناك شباب يتمتعون بدرجة وعي عالٍ، ولديهم تجارب مميزة، فإذا تم استيعاب الشباب وأتيحت لهم الفرصة في عملية صناعة القرار، قد نرى وجهات نظر تختلف من وجهات النظر التقليدية المألوفة“.

*عقائدي وبرامجي
يقول سيد محمد علي: ”ليست لدي مشكلة في الانضمام لأي حزب سياسي، ولكني أرى أن الأفكار التي تستند عليها هذه الأحزاب -خاصة العقائدية- لا تمثلني، فمثلاً لا أستطيع تقبُّل فكرة القومية العربية وحكم وطن متعدد كالسودان بها، أو تجريب تطبيق الآيدلوجيا الشيوعية بشكلها القديم، وقد جرَّبنا حكم الآيدلوجيا الإسلامية ورأينا أثرها، لذلك لا أعتقد أنه سيكون هناك مستقبل للأحزاب العقائدية وسط الشباب، على عكس الأحزاب البرامجية“.
ويضيف: ”الأحزاب العقائدية -خاصةً ذات التوجه اليساري، دائماً ما يُعجب بها الشباب في أطوارهم الأولى، وذلك لما تتميز به من ثورية وانفعال، ويعتقدون أنها الأقرب لتمثيلهم والتعبير عنهم عبر الخطاب العاطفي والثوري، حتى الحركات ذات التوجه الديني تنجح في استقطاب الشباب عن طريق إثارة عواطفهم الدينية، وهذا ما حدث مع الكثير من الشباب خلال فترة التسعينيات، حيث تمت تعبئتهم بعقيدة الحركة الإسلامية، لذلك الحركات والأحزاب العقائدية قد تنجح بامتياز في استقطاب الصبية والشباب“.

*حزب شبابي
طالما أن الأحزاب هي النموذج الديمقراطي، فإن كثيراً من الآراء تضع خيارين للشباب الذين يُشكلون الكتلة الحرجة، إما أن ينضمُّوا وينخرطوا داخل الأحزاب الموجودة، أو أن يقوموا بإنشاء حزب جديد خاص بهم. ويرى سيد محمد علي؛ أن الشباب الآن مندفع ونشط جداً، لكنه يحتاج إلى التوعية بجانب التبصير السياسي، لأن عدم الممارسة السياسية الذي فرضه عليهم النظام البائد جعلهم غير أكفاء سياسياً، لذلك يتوجب على كبار السياسيين إتاحة الفرصة للشباب، ولكي تطبق الأحزاب الديمقراطية التى تدعو لها على نفسها أولاً“.
ويضيف: “لا يمكن إنشاء حزب سياسي بمسمى حزب شبابي، فالحزب السياسي هو مؤسسة يفترض أن تضم كافة الفئات، مثلاً إذا كان عمري ٦٠عاماً، وأعجبت ببرنامج هذا الحزب الشبابي وتقدمت بطلب للانضمام إليه، هل سيتم رفض طلبي لأني لست شاباً؟!
الأصوات التي تنادي بضرورة استقلال الشباب بسبب هيمنة الكبار لن تزيد الطين إلا بلة، وسيكون الأمر ليس إلا مفاقمةً لصراع الأجيال، والحل يكمن في أن تحصل ثورة ناعمة تكتسح كل الأحزاب الموجودة بالتحاق أكبر عدد من الشباب بها، ومع مرور الزمن سيتدرّج هؤلاء الشباب ويصبحوا متخذي القرارات داخل هذه المؤسسات السياسية“.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.