آخر الأخبار

قضية مريم تيراب.. جدل متجدد في السودان حول عقوبة الرجم

الخرطوم – عمار حسن

لنحو أربعة أشهر ظلت مريم السيد تيراب (20 عامًا) تقبع في سجن مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض جنوبي السودان، بعد الحكم عليها بالرجم، ويقول والدها إنها تعرضت لمعاملة سيئة وقاسية في بادئ الأمر ومنعتهم إدارة السجن من مقابلتها، لكن بعد مرور شهر تغيرت المعاملة وسمحوا لهم بزيارتها وتزويدها بالأكل والشرب.
وقبل أسابيع، أصيبت تيراب بوعكة صحية تواصل مدير السجن مع والدها ونقلت إلى المستشفى لتلقي العلاج إلى أن تماثلت للشفاء.


وفي 27 يونيو/ حزيران الماضي، أصدرت محكمة جنايات كوستي بولاية النيل الأبيض حكمًا بالرجم بحق تيراب.
وهذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها حكم بالرجم ضد امرأة في السودان، فقد صدرت على مدى سنوات أحكام بالرجم ضد نساء، قبل أن يتم إسقاط العقوبة في مراحل الاستئناف.
وعدلت الحكومة الانتقالية المنحلة برئاسة عبد الله حمدوك بعض القوانين مثل حد الردة، وشرب الخمر، لكن ظلت بعض العقوبات المثيرة للجدل الحقوقي موجودة، مثل العقوبات الحدّية وبعض مواد قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بالنساء.

ومن أشهر قضايا الحكم بالرجم في السودان، قضية مريم يحيى إسحاق عام 2014، والتي كانت تبلغ من العمر 27 عامًا حينها، وحكمت عليها محكمة سودانية بالإعدام شنقًا حتى الموت، حيث أدينت بالردة عن الإسلام بعد اعتناقها الديانة المسيحية، وبتهمة الزنا أيضًا.


ويشير والد مريم إلى أنه عقب حادثة ابنته انتقل هو وأسرته المكونة من ثمانية من أبناء وبنات إحداهن مريم بالإضافة إلى زوجته، من قريته أم بويصة في ضواحي النيل الأبيض إلى حاضرتها مدينة كوستي، تجنبًا للاحتكاك مع الطرف الآخر في المشكلة، مضيفاً أنه خلال الأيام الأولى مرت أسرته بظروف صعبة لكن مع مرور الأيام تجاوزها بدعم الأهل والتزام الصبر.
وخلال الحادثة انقطع أبناء تيراب عن مدارسهم بعد انتقالهم من قريتهم، لكن مع هذا العام تم قبولهم في إحدى مدارس مدينة كوستي.
ويؤكد تيراب أن محكمة الاستئناف بكوستي لم تحرك ساكناً في القضية ولم ترد على طلبهم بشأن الاستئناف رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على صدور حكم الرجم، وهي فترة الاستئناف المحددة في القانون، مضيفاً أن “هذا الملف يجب أن يتحرك بعد هذه الفترة”.
ويناشد والد مريم المنظمات والجمعيات الحقوقية لتقديم العون والمساعدة لحماية ابنته من تنفيذ حكم الرجم بحقها.

من جانبها، تقول انتصار عبد الله، محامية مريم، إنها تقدمت بطلب لاستئناف الحكم لكن لم ترد المحكمة على طلبها حتى الآن، مبينة أن أي ملف يفترض أن يصدر فيه قرار بنهاية كل عام، وتلفت إلى أن المحكمة أسقطت حق موكلتها في الدفاع حينما أصدرت حكمها دون وجود محام للدفاع عنها وهو مخالف لقانون الإجراءات الجنائية.

 

انتصار عبدالله – محامية مريم

واستندت عريضة الاستئناف التي اطلعت عليها (سلا نيوز)، بجانب حق المتهمة في الدفاع، إلى حالة المحكوم عليها وما إذا كانت محصنة بالفعل، حيث تشير حيثيات القضية إلى أن مريم تم تزويجها بالإك

راه ومكثت نحو ثلاثة أشهر قبل أن يعيدها زوجها إلى منزل أسرتها ويطلقها طلاقًا موقوفًا (معلقا).
كما استندت العريضة على حق المدانة في التراجع عن الإقرار وفقًا لما كفله القانون حتى قبل تنفيذ الحكم، مشروطًا مع عدم وجود بينة أخرى.
وتوضح عبد الله أن الطلب الآن في محكمة الاستئناف ويفترض أن يمر على ثلاثة قضاة للتعليق عليها كل على حده لكن حتى الآن لم يرد عليها أحد.
وتعرب المحامية عن اعتقادها أن “المحكمة ستلغي قرار الرجم لكن القضاة لا يريدون أن يصدروا قرار الإلغاء بطريقة تظهرهم أنهم أصدروه تحت تأثير الرأي العام بعد تناول القضية في وسائل الإعلام، لذلك حتى الآن لم يردوا على الطلب”.

رفض حقوقي ونسوي

تقول رئيسة مبادرة “لا لقهر النساء” أميرة عثمان أن “القوانين المجحفة ضد النساء لا تزال قيد التنفيذ”، وتضرب مثلاً بمحاكمة إحدى عضوات المبادرة بقانون النظام العام في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.
وتضيف عثمان أن إبّان الحكومة الانتقالية المدنية برئاسة عبد الله حمدوك جرى الحديث عن إلغاء قوانين النظام العام “كجزء من الترويج أمام المجتمع الدولي”، وتتابع “لكنها مضمنة في الباب الخامس عشر من القانون الجنائي السوداني وقانون الأحوال الشخصية، ولا تزال سارية”.

رئيس مبادرة “لا لقهر النساء” أميرة عثمان

وتشدد عثمان على رفضها عقوبة الرجم باعتبارها “عقوبة لا إنسانية وليست لها علاقة بالشريعة الإسلامية ولم ينص عليها في القرآن الكريم.. ومخالفة لكل فطرة حسنة ولكل المواثيق والمعاهدات الدولية والمحلية”.
وتطالب الناشطة السودانية بإلغاء المواد المتعلقة بعقوبة الرجم وتوفير محاكمة عادلة لمريم ورفع العقوبة عنها.
بدورها، تقول مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الحكومية سليمى إسحاق إن مريم تيراب لم يكن لديها علم بالعواقب القانونية وكانت تحتاج لسند قانوني، مشددة أن العدالة يجب أن تأخذ بالحسبان ظروفها وتوفير محام للدفاع عنها أثناء محاكمتها.

وتضيف إسحاق أن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بولاية النيل الأبيض تقدم الدعم لمريم وتعمل جنبا إلى جنب مع هيئة الدفاع عنها، وتعرب إسحاق عن أملها في أن يكون الاستئناف منصفاً، كي “تجد مريم العدالة والدعم الذي تستحقه في آخر المطاف”.

مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمى إسحق

وبشأن بالإشكالات الخاصة بالقوانين وإمكانية تعديلها، تعلق إسحاق: “عندما تكون عندنا دولة بالأساس وتحول مدني ديمقراطي نحتاج لتعديلها لكن لا نستطيع في هذا الوضع الذي هو كاره للنساء ونتوقع فيه كثير من الأشياء فيها مهاجمة لهن”.

الرجم والشريعة والقانون

يرى الداعية والقانوني أبو بكر عبد الرازق أن عقوبة الرجم لم ترد في القرآن الكريم، وأن كل المرويات المنسوبة للرسول محمد في هذا الإطار ضعيفة، مضيفا أن الرسول “ليس مشرعاً ولا محللاً أو محرماً، بل هو مبلغ، وبالتالي لا يستطيع أن يشرع تشريعاً جديداً”.

 أبوبكر عبدالرازق – داعية وقانوني

ويبدي عبد الرازق الذي ينتمي لحزب المؤتمر الشعبي ذي الخلفية الإسلامية، أسفه لوجود مواد تقضي بالرجم في القانون السوداني، مطالباً بتعديله.
ويشير المحامي الطيب العباسي، الأمين العام للجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين إلى أن عددًا من المحاكم السودانية أصدرت عقوبات متعلقة بالرجم، لكن تم إلغاؤها بواسطة المحكمة العليا، ما يؤكد أنه لم تنفذ حالة رجم بالسودان.
وفي ما يتعلق بالحكم الذي صدر ضد مريم السيد تيراب، يتوقع العباسي أن “تتم مراجعة الحكم بصورة جيدة وفي الغالب سيلغى حكم الرجم في إحدى مراحل التقاضي المختلفة، باعتبار أن حالات مشابهة صدرت من المحاكم أبطلت بواسطة المحكمة العليا”.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.