آخر الأخبار

تلاميذ ريفي كسلا بين حصار الجوع وهجر التعليم

الخرطوم ـ ريم إبراهيم

نائلة محمد (45 عاما)، لديها خمسة من الأطفال، عجزت أن تُلحق أطفالها بالمدرسة من أجل تلقي التعليم، لأن ظروفها الاقتصادية منعتها من ذلك، لم يستطع زوجها أن يوفر لأبنائها سُبل العيش؛ ناهيك عن التعليم الذي أصبح بالنسبة له القشة التي قصمت ظهره، لذلك اكتفى بأن يأخذهم معه إلى العمل لمساعدته لكسب العيش.

كان أطفال نائلة بالماضي يدرسون، ولكن بعدما ضيَّقت الحياة خِناقها عليهم وأصبح القائمون على أمر إمداد الطلاب بالغذاء في المدارس لا يستطيعون توفيره لهم، فضلا على عدم تمكنها من توفير أساسيات الحياة لأبنائها، إضافة إلى أن نائلة عجزت عن توفير الزي المدرسي والكُتب وكل الملحقات المدرسية لأبنائها، لذلك اكتفت بأن تبقيهم بالمنزل.

ومثل نائلة نساء كُثُر في ريفي كسلا، يتمنون عودة أطفالهم لمواصلة الدراسة لكي يتمكن هؤلاء الأطفال مستقبلا من تغيير الواقع البائس الذي يعيشونه وأهاليهم.

تعد محلية ريفي كسلا محلية مترامية الأطراف، حيث توجد بها ثلاث مناطق أساسية: سلك ياي جنوب، وسلك ياي شرق، بالإضافة للدامر.

أصبحت ريفي كسلا مؤخرا تعاني من مشكلة التسرب التعليمي، ويعود ذلك إلى الفقر المدقع الذي يعيشه سكانها، بالإضافة إلى قلة الوعي بأهمية التعليم.

ولأن التعليم هو حق يُكفل لكل شخص، وهو حجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المستنيرة والمتسامِحة والمحرك الرئيس للتنمية المستدامة، لذلك يجب أن تسعى مبادرات التعليم إلى الوصول إلى أولئك الذين هم أكثر عُرضة من غيرهم لخطر التخلّف عن الركب أي من يعيشون في سياق حالات طوارئ أو أزمات؛ ومن ينتمون إلى الأقليات بمختلف أنواعها؛ من ضمنهم الفقراء لذلك وجب علينا أن نعمل بشكل عاجل على سدّ الفجوة الرقمية.

محمد عُثمان مشرف تربوي بمدارس محلية ريفي كسلا بمدارس، التي يُطلق عليه (سلكِيايات)، أوضح محمد لـ (سلانيوز)، أن الإشكالية الكبرى لهذه المدارس تكمن في التناقص الواضح لأعدادها، مضيفاً أنها في الماضي كانت تصل إلى 300 مدرسة، وتراجعت أعدادها الآن إلى 90 مدرسة، كما أنها ما زالت تتناقص، أي أن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد. وبحسب رأي محمد عثمان فإن التناقص يعود إلى عدم إقبال الطلاب على التعليم، كما أن أماكن المدارس توجد بمناطق ريفية يقع معظم سكانها في خط الفقر.

وأضاف أن مثل هذه المجتمعات لا تُعطي أهمية كبرى للتعليم ، وإما ينصب جُل اهتمامها، للقيام بمناشط الرعي أو الزراعة  وبعضهم يذهب للسوق في إطار البحث عن أعمال أخرى.

ورغم الجهود المبذولة في إقناع الأسر بأهمية التعليم، يرى عثمان أن هذه الجهود غير كافية لأن الأهالي أبدوا دورا سلبيا للغاية في التعاون والإنصات لهم نسبة لظروفهم الاقتصادية والاجتماعية.

واختتم حديثة قائلا: نحن نخشى أن تغلق هذه المدارس أبوابها، لما تعانيه من تسرب كبير في أعداد الطلاب، لكننا نناشد الحكومة ومنظمات المجتمع الدولي والمنظمات الخيرية لتكثيف الجهود لإقناع هذه المجتمعات بأهمية التعليم.

تنبئ المؤشرات الكمية لأعداد الأطفال المتسربين من التعليم عن خطر داهم يواجه أجيال المستقبل، حيث تتبدد سنواتهم في العمالة أو العطالة، وهو أمر مهدد للمجتمع ككل.

تقول مديرة مدرسة (سلك ياي الدامر المختلطة) الأستاذة ناهد محمد، إن المدرسة كانت مليئة بالطلاب حتى عام 2019، ولكن سرعان ما تناقصت أعداد التلاميذ من نحو 420 تلميذا إلى 90 تلميذا، حتى هؤلاء القلَّة لا يأتون إلى المدرسة بصورة مستمرة، ووصفتهم على حد تعبيرها (حضور يوم وتغيُّب أربعة أيام )، وهي ترى أن بيئة المدرسة غير جاذبة للطلاب وذلك لافتقارها للغذاء والماء وبعض الأساسيات كالإجلاس.

يعاني الأساتذة أيضا من ذات الصعوبات التي يعاني منها التلاميذ، حيث يعتمد الأساتذة على أنفسهم في توفير الغذاء وأجرة المواصلات. وترى الأستاذة ناهد أن كل هذه الأسباب غير داعمة لاستمرارية الدراسة.

مدير إدارة تعليم الأساس بمحلية ريفي كسلا مصطفى فائز، يرى أن السبب الرئيس وراء انحسار أعداد التلاميذ بالمدارس يكمن في توقف طريقة (الغذاء مقابل التعليم)، وهذا لما تعانيه الأسر من فقر شديد، وأيضاً معاناة الأساتذه في الوصول إلى المدرسة، وعدم توفر أماكن لإقامتهم بالقرب من المدرسة، أسهم في تدهور عملية التعليم، ووصف الأستاذ مصطفى فائز استقرار المعلم هو استقرار للطالب.

وأوصى بأنه لا بد أن تقام داخليات للطلاب الذين يقطنون بمناطق بعيده عن المدرسة، وإعادة التغذية للمدارس، لأنه في عام 2018 كان عدد الطلاب الملتحقين بالمدرسة لا يقل عن 3,451 تلميذاً وتلميذةً، تناقص عددهم لعام 2020 إلى 1.146 تلميذا، وأرجع هذا التناقص الحاد إلى غياب الوجبة المدرسية، لذلك يرى أن وجودها يعني استمرارية عملية التعليم.

ونادى بتكثيف جهود التوعية بأهمية التعليم ، ودعم ميزات استقرار المعلم، وتوطيد فكرة التعليم البديل (التعليم الإلكتروني)، حتى لا ينقطع الطلاب عن عملية التعليم، كما أضاف أنه أُقيمت عُدة ورش من قِبل المنظمات الداعمة للعملية التربوية. ويرى أنها أسهمت  في دفع العملية التربوية للأمام لكنم يحتاجون إلى تدعيم تلك الجهود للوصول إلى أكبر عدد من الأهالي.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.