الخرطوم – محاسن أحمد عبدالله
عثر على جثمان الطالب مصطفى يس آدم مصطفى بعد رحلة من البحث المضني في قاع النيل الأبيض استمرت أياماً، وتم تشييع جثمانه وسط أهله وذويه الذين غطى الحزن والوجع على ملامحهم، وامتلأت عيونهم بالدموع، وهم يشيعون شاباً في مقتبل العمر عُرف بطيب المعشر وطيب الخصال بين جيرانه وأنداده وزملائه في الجامعة.
بداية الحكاية
مصطفى شاب يبلغ من العمر عشرين عاما، يدرس في الصف الثاني في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا يقطن مع أسرته المكونة من والديه وأشقائه في منطقة طيبة الحسناب حي الضباط، وهي منطقة تقع جنوب الطريق المؤدي إلى منطقة جبل أولياء .
كعادته كان يذهب مع أشقائه وعدد من أبناء الجيران إلى النيل للسباحة، وقضاء وقت من المرح، ثم يعودون أدراجهم رغم تحذيرات أهاليهم خوفا من حوادث الغرق التي ظلوا يسمعوا بها ما بين الفينة والأخرى.
يوم الحادثة
في السادس من رمضان الحالي وفي نهار غائض درجة حرارته مرتفعة مع انقطاع عام للتيار الكهربائي في المنطقة وجميع أهل المنزل صيام خرج مصطفى برفقة أشقائه الثلاثة إلى البحر للتخفيف من درجة الحرارة المرتفعة بالسباحة في النيل القريب من منطقتهم، وقتها كانت بقية الأسرة تغط في نوم عميق،ذهب مصطفى وأشقاؤه البحر واستقلوا مركباً للوصول إلى منتصفه ومنه ينزلون الماء للسباحة ثم يعودون للمركب مرة أخرى، وقتها بدأ مصطفى السباحة، أمضى وقتا قبل أن يرفع يديه للأعلى وهو يهتف بصوت عال (أنا غرقت ألحقوني) ليسارع إخوته لإنقاذه إلا أنه فاجأهم بقوله أنه كان (يهظر) معهم ليعودوا أدراجهم لممارسة الغطس والسباحة .
الفاجعة الكبرى
أثناء وجودهم في المركب غطس مصطفى في الماء مرة أخرى وبدأ في السباحة ولم تمر سوى دقائق حتى هتف ذات الهتاف الأول (الحقوني غرقت) وقتها لم يعره أحد اهتماما، فقد كانوا يظنون أنه يمزح كما حدث في المرة الأولى إلا أنه كرر النداء وهو يرفع رأسه وأياديه إلى أعلى ثم غطس ولم يظهر مرة أخرى، ليعلم أخوته أنه غرق حقيقة هذه المرة فسارعوا لإنقاذه أولهم شقيقه الأكبر(السماني) الذي حاول من أعلى المركب الإمساك به إلا أن جسد مصطفى بدأ يثقل، وكان قد غرق وكاد أن يسحب شقيقه معه للأسفل، وقتها قام بقية أشقائه بجره للخارج بعد أن امتلأت رئتيه بالماء، وكاد أن يلفظ أنفاسه هو الآخر لتبدأ رحلة البحث عن مصطفى، ولكن دون جدوى، وكان الإحساس الأليم الذي تملكهم وقتها كيف يعودون من دونه وكيف يخبرون أهلهم بالخبر الإليم؟
حزن وانكسار
عاد الإخوة الثلاثة أدراجهم بعد أن فقد رابعهم وهم يجرون أذيال الحزن والانكسار، وكان قد سبقهم البعض لإبلاغ والدهم بالخبر الذي تفشى وعم المكان وجعل الأسرة في حالة من الحزن الرهيب.
توجه الجميع صوب النيل وقبلهم الغطاسون ورابط الأهل أيام بالقرب من البحر عسى ولعل يشاهدون الجثة طافية، ولكن بلا جدوى. توافد الأهل والمعارف ناحية منزلهم على مدار الثلاثة أيام ولم تقم سرداق العزاء إلا بعد العثور على الجثمان وقتها خيم الحزن على الجميع، وهم يودعون شاباً لم يبلغ مبتغاه لتحقيق أحلامه التي كان يرسمها للمستقبل.