من مقامٍ موسيقي إلى هويةٍ تجارية
الخرطوم – هديل عماد الدين
ما بين الهوية والإبداع ومن رائحة الجلود اختارت أن تبدأ قصتها.
سماح صالح عركي الخريجة في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في قسم الأزياء والباحثة في الفلكلور، هي صاحبة الماركة التجارية المختلفة زنجران (zingran).
الهوية والمقام الموسيقي
لكل علامة تجارية ما يميزها عن غيرها، ولزنجران قصة مختلفة، جاءت التسمية في الأصل من كلمة (زنج) ثم تحولت بعد ذلك إلى zingran في إشارة إلى المكون الأفروعربي في الثقافة السودانية.
تقول سماح عركي إنه تم استخدام هذه التسمية من قبل الكثير من المفكرين، ومنهم إسماعيل عبد المعين، الذي استخدم ذات التسمية للإشارة إلى ذات المعنى.
كذلك كان هذا الاسم مربوطاً بتاريخ موسيقي له ما له من التأثير الجمالي، فهو اسم لمقام من مقامات فرع الحجّاز.
الهوية
بالحديث عن الهوية الثقافية كانت لسماح عركي خلفياتها الدراسية التي ساعدتها من خلال دراستها لتاريخ الفنون في إبراز الهوية السودانية في مختلف تصاميمها، ومما ساعد في ذلك أكثر دراستها لمجال الأزياء، مما شكل خلفية داعمة لها.
ما بين الأحلام والواقع
كانت لسماح تلك الصورة الوردية حول مجال العمل في مرحلة ما بعد التخرج، كما هو حال الكثير من المتخرجين حديثاً، ولكن للواقع رواية أخرى، تقول سماح إن السبب الأساسي في اختيار الجلود كخامة أساسية للعمل كان اقتصادياً، بالإضافة إلى أن الجلود من الخامات سهل التعامل معها، مما جعلها الخيار الأفضل.
سوق العمل
في ظل ظروف اقتصادية صعبة، عبَّرت سماح عن تجربتها في دخول سوق العمل التي وصفتها بالصعبة، وذلك لعدم فهم السوق لطبيعة العمل بالشكل الكافي، فبرغم انبهار الأفراد بالمنتجات الجلدية التي تنتجها إلا أن التعاطي مع الأسعار لم يكن بالشكل المطلوب، خصوصا وأن الثقافة الشرائية للمستهلك المحلي برغم تحسنها، تحتاج إلى مزيد من العمل. وعبَّرت بأنه “من مهمتي أن أجد السوق المناسب، ولكن من مسؤوليتي أيضا التعريف بالحرفة ومصاعبها، وأن القيمة التي تدفع مقابل المنتج ما هي إلا قيمة للزمن الذي يُقضى في إنتاجها وقيمة للفنان المصمم وقيمة الهوية الثقافية، إلا أن ذلك لا ينفي صعوبة الأمر والمعاناة الكبيرة حتى تصل إلى مرحلة الإدراك الكامل لسوق العمل”.
وتتراوح أسعار المنتجات الجلدية في zingran ما بين 5,000 – 57,000 جنيه سوداني، أي ما يعادل من 9 – 100 دولار أمريكي للقطعة الواحدة، حيث تُعدُّ هذه الأسعار مواكبة للسوق وفي متناول اليد مقارنة بنوعية الخامات المستخدمة وجودة المنتج.
مصادر التمويل
وعند سؤالنا لسماح عركي عن مصادر التمويل، أوضحت أن لـ zingran الكثير من الداعمين من مؤسسات مختلفة، ومن أهمها مبادرة السفارة الهولندية، وذلك بالتعاون مع مؤسسات أخرى، منتجين بذلك مبادرة ريادة الأعمال الناشئة (orange corner) التي ساعدت بشكل كبير في تدريب وتأهيل المشاركين فيها للتعريف بأعمالهم بالشكل المناسب.
كما يُعدُّ مصرف التنمية الصناعية من مصادر التمويل الداعمة لـ zingran وذلك من خلال تقديمه تمويلاً أصغر. وأوضحت سماح عركي أن أول دعم منظم كان من مؤسسة (الفنجرية)، وهي منظمة تهتم بالمرأة، خصوصا المرأة العاملة ذات المهارات.
العمل المجتمعي
كان لـ zingran الكثير من المشاركات في المعارض والفعاليات المساهمة في التوعية، ومن أبرزها العمل مع منظمة (أرتينا)، وهي واحدة من المنظمات التي تعمل على إحياء المتاحف، حيث كانت البداية من المتحف القومي، وذلك من خلال المشاركة في حملة تنظيف مع مجموعة من الشباب والحرفيين، والإعلان عن فعاليات تدعم وتستقطب الزوار للمتحف والتعرُّف على أعمال الحرفيين. كان لذلك الأمر صداه الكبير، وساعد في التعريف أكثر بالمتحف القومي ومساعدة شرائح مختلفة من الحرفيين لعرض أعمالهم. بالإضافة إلى عملهم على برنامج تلمزه مهنية يعمل على تدريب وتأهيل الكوادر المختلفة، وكانت لهم تجربة مميزة مع أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة الحركية، الذين لديهم شغف التعلُّم، مما عزَّز من قاعدة المشاركة والتفاعل.
مشاركات دولية
هنالك العديد من المشاركات الدولية، التي كان بدايتها من تركيا عام ٢٠١٥م من خلال ملتقى الحرفيين الدوليين في نسخته الحادية عشرة، ثم توالت بعدها المشاركات في أكثر من دولة وفعالية في يوغندا وتشاد وتونس، كان لكل تلك المشاركات الأثر الواضح في إبراز الهوية السودانية وتعزيزها من خلال المنتجات التي تقدمها zingran .
المستقبل بعين zingran
في ظل رحلة التحوُّل ما بين حلم كان مشروعاً دراسياً أضحى بعده علامة تجارية لها بصمتها، كانت لسماح عركي رؤية دقيقة للمستقبل، وذلك من خلال عملها الآن على التسجيل كشركة مساهمة عامة، بالإضافة إلى العمل على توسيع مشروع التلمزة المهنية حتى تصل إلى منازل من يحتاجها، وأكملت حديثها بسعيهم للتعاون مع شركات لتوسيع العمل في المجال والتعاون مع ورش محلية ومساعدتهم في التعامل مع خامات مختلفة وبجودة أكبر.