الخرطوم – هديل عماد الدين
يقال إن بالدراما يمكن تغيير تاريخ الشعوب، فهي طالما شكلت القوة الناعمة لمختلف القضايا التي يتم تسليط الضوء عليها في محاولة لمعالجتها.
للدراما السودانية تاريخ طويل ظهر من خلال قادة العمل الدرامي على مر السنين، الذين أنتجوا كثيرا من الأعمال حتى أصبحت عملية تتوارثها الأجيال جيل تلو الآخر، حتى ظهر جيل جديد من الشباب راغب في التغيير بمفهوم مختلف، وزاوية أكثر وضوح حول القضايا التي يتم النقاش حولها، وبين الجيل الذهبي وجيل الألفية كانت محاولة البحث عن خيط يربط ما بين الماضي والحاضر، يعكس من خلاله أحلام وطموحات، ومن هذه المحاولات الفريدة هي (ترنيمة الحب والثورة) ذلك العمل الدرامي الذي رأى النور بشكل ملفت من خلال فريق عمل شبابي من الدرجة الأولى يتوجه أيقونتان دراميتان في عالم الفن السوداني، وهما الممثلة القديرة بلقيس عوض والممثل عبد الرحمن الشبلي، مشكلين لوحة درامية اجتماعية تناقش الوضع الحالي في فترة معينة.
ترنيمة الحب
مثّل يوم 16 من الشهر الجاري الموافق يوم الأربعاء الماضي، بداية حقيقية للعمل الدرامي ترنيمة الحب والثورة، حيث كانت أول جلسة لمناقشة الحلقات الأولى من العمل، التي حضرتها كوكبة من الممثلين المشاركين وعدد من النقاد والمهتمين بالمجال الذين أبدوا إعجابهم بما تم عرضه من العمل، يأتي هذا العمل معبراً عن الواقع في فترة أقل ما يمكن أن توصف بأنها غير مستقرة، وهي بدايات عام 2018 التي شهدت ثورة ديسمبر وهي المدة التي شهدت الكثير من الأحداث في الواقع السياسي السوداني، دارت أحداث المسلسل في العاصمة السودانية الخرطوم، عرض من خلالها وجهات نظر مختلف، حاول رواد العمل عكس الواقع المضطرب في شكل عمل درامي اجتماعي في قالب جديد، كذلك ناقش عدة مشاكل اجتماعية وشبابية.
ميلاد مٌعلن
في حوار لنا مع مخرج العمل محمد الطريفي الذي تحدث أن العمل يعد عملاً واقعياً في زمن به الكثير من المتغيرات السياسية، سواء أكان على الأفراد أو البلد بشكل عام تناول الأثر الذي ينعكس على الأفراد نتيجة تلك المتغيرات، أي أنه عمل اجتماعي في المقام الأول، وإشارة إلى تسمية العمل ب (موزاييك) على أنه اسم للمشروع الذي يجمع أبطال العمل داخل السياق الدرامي، إلا أنه تحول بعد ذلك إلى (ترنيمة الحب والثورة ) كاسم للعمل، وذلك لما له من علاقة بأحداث القصة التي تشمل روايات حب مختلفة ومتشابكة مع بعضها لتشكل ترنيمة للحب الثورة.
ناقش العمل الكثير من القضايا كالفساد وعدد من القضايا الاجتماعية كالعنف الأسري والهجرة وغيرها من الأحداث التي جاءت في تلك الفترة وفق للسياق الدرامي للعمل.
محمد الطريفي – مخرج العمل
كاست
يقول الطريفي إن العمل اشتمل على نجوم لهم تأثير كبير على الدراما السودانية أو كما أسماهم بالرعيل الأول، وهما الممثلة بلقيس عوض والممثل عبد الرحمن الشبلي اللذين لهما تأثير كبير بالساحة الفنية برفقة وجوه جديدة، لذلك كان من المهم مراعاة التنوع الإثني والعرقي، كذلك التنوع الشكلي من خلال إبراز المجتمع بمختلف أطيافه ومكوناته في محاولة لرسم صورة واقعية تقترب أكثر من حياة الناس.
محمود خالد هو أحد الممثلين في العالم الذي مثل شخصية (كارم)، ذلك الشاب الطموح الذي ترك الدراسة من أجل الهجرة، والذي يسلط الضوء على قضية هجرة الشباب والهروب لواقع يهيء لهم أفضل.
عبر محمود أن العمل في هذه الدراما كان بمثابة تحدٍّ كبيرٍ بالنسبة له، تمثل في الوضع العام للبلد في تلك الفترة من عدم الاستقرار سواء أكان من ناحية أمنية وسياسية ما عطل بشكل كبير سرعة إنتاجه، ولكن روح الفريق ساعدت بشكل كبير في تجاوز تلك المعوقات، على حد تعبيره.
استمر العمل الدرامي إلى ما يقارب الثلاث سنوات ما مثل تحدياً آخر بالنسبة لمحمود في أهمية المحافظة على روح الشخصية بوتيرة ثابتة، لكن استطاع أن يتغلب على هذا التحدي من خلال القدرة على استحضار الشخصية بكل تفاصيلها بشكل ساعد في إبرازها بوضوح خلال العمل.
يقول محمود إن شخصية (كارم) مثلت جزءاً كبيراً من الشباب الموجودين داخل المجتمع الذين ينظرون إلى الهجرة باعتبارها الحل الأمثل لكل المشاكل التي يواجهونها.
بلقيس عوض – ممثلة
أيقونة فن
كان للممثلة بلقيس عوض حضورها المميز في هذا العمل، حيث أبدت سعادتها البالغة في المشاركة في هذا العمل برغم صغر الدور الذي شاركت به، على حد تعبيرها، وأنها لم تتردد أبداً في الموافقة. وقالت “لأني ساهمت في عمل دراما بتناقش قضايا الشريحة المعنية (شريحة الشباب)، وهم البستمروا في حل مشاكل الشعب السوداني من خلال الإطروحات الدرامية”. ختمت حديثها أن شريحة الشباب برغم صعوبة الزمن الذي هم فيه، فقدرتهم على إنتاج مثل هذا العمل الذي يناقش العديد من المشاكل، فهذا شيء جميل- على حد قولها – لأن الدراما هي التي تحل معظم المشاكل في حياة الشعوب.
واقع مؤلم
“لا يوجد سوق من الأساس للإنتاج الدرامي في السودان”، هذا ما قاله مخرج العمل الطريفي عند سؤالنا له عن المعوقات التي تواجه العمل، معبراً من خلاله عن أهم المعوقات التي تواجه الإنتاج في السودان، بالإضافة إلى عدم وجود الخبرة الكافية للعاملين داخل العمل باعتبارهم وجوهاً جديدة، ما يجعلك تتحمل مسؤولية المواجهة في إثبات نجاح العمل للجهات المنتجة بالإضافة لعدم وجود تمويل كل ذلك، وأكثر من الأسباب التي أدت لتأخر إنتاج العمل، مضيفاً الظروف الطارئة مثل جائحة كورونا وغيرها من الاضطرابات السياسية، وبالإشارة لهذا الأمر ذكر أنهم لم يجدوا أي تعاون من قبل الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، ما اضطرهم إلى بناء (لوكيشنات عمل) حتى يستطيعوا تصوير المشاهد المتعلقة بكل مكان.
سارة الجاك- روائية وقاصة
قياس أثر أولي
كانت الجلسة الأولى لمناقشة العمل حافلة بالكثير من النقاشات الإيجابية بخصوص الحلقات التي تم عرضها والتي حضرها عدد من النقاد والذين أبدوا إعجابهم بالعمل وأنه ناقش قضايا مهمة تمس المجتمع بشكل مباشر في فترة حساسة، حيث تقول سارة الجاك، وهي إحدى الروائيات السودانيات، “إن المسلسل يمثل قُبلة شكر على جبين الثورة السودانية، كُتب وتم تجسيده عبر الشباب الذين صنعوا الثورة السودانية أنفسهم، ليغلقوا باب تزوير التاريخ في وجه الأقلام المأثورة التي تحاول تزويرها”.
وفي حوار لنا مع الناقد إيهاب محمد علي الذي كان حاضراً أيضا في جلسة النقاش، عبّر بالقول إن إنتاج عمل يؤرخ لفترة سياسية من تاريخ السودان هي واحدة من ضروب الدراما غير الموجودة بشكل مباشر، وإن الثورة السودانية منذ قيامها عام 2018 م وفكرة التوثيق لهذه المراحل حتى يوم 6 من أبريل، يمثل خطوة جيدة جداً لابد للوقوف معها ودعمها لإنتاج وتأريخ للفعل السوداني بكل أطرافه، لأن التوثيق للسودانية بشكل عام غير موجود. وأضاف أن هذا العمل الآن لا يؤرخ لعمل سياسي ولكن لانعكاسات الفعل السياسي على المجتمع .
إيهاب محمد علي- ناقد فني
كما أشار إلى مظاهر التعايش المجتمعي في العمل من خلال ظهور طائفة الأقباط واندماجهم في المجتمع باعتبارهم مكوناً أصيلاً، بالإضافة إلى تأثير الأنظمة السياسية على تفكير الشباب نفسه الذي ظهر في أحداث المسلسل، كل تلك الأشياء يجب التعامل معاها – على حد قوله – لأن عملية التغيير يجب أن تشمل كذلك البنية الفكرية نفسها وليس فقط تغييراً سياسياً، ينطبق ذلك على كل الأطراف من منتجين ونقاد وكتاب ودرامين وفنانين ومشاهدين، كما توقع أن يجد العمل حظه من الإقبال والمتابعة.
وعند سؤالنا له عن ردود الأفعال المتوقعة من الجهات الأمنية، خصوصاً وأن العمل يوثق لفترة زمنية معينة، ذكر أنه سيجد المتابعة على مستوى المشاهد العادي من الطرفين، وذلك نسبة لتميز فكرته، وتمنى أن يكون الانتقاد (إن وجد) حول الفكرة أو الجوانب الفنية من حيث النقد البناء، لا غير ذلك .
وهذا ما أكده الطريفي بأنه لايرى دوافع تدعوا إلى إيقاف العمل، وذلك نسبة لأنه عمل لا يوجد به أي توجهات سياسية، ولكن يتحدث عن الثورة في فترتها الحقيقية، فهو عمل من الناس إلى الناس، على حد تعبيره، وتوقع بأن يلقى الكثير من الاستحسان من قبل الجمهور لأنه صنع من الأساس لأن يحترم الجمهور.
للقصة لحن
لكل عمل درامي نكهته الخاصة التي تميزه عن غيره، وفي ترنيمة الحب والثورة كانت هناك معزوفة من الأمل والسعادة تمثل الوجه المعبر عنه، وذلك من خلال موسيقى تصويرية اختيرت بعناية من قبل شاب اجتهد في إيجاد هوية موسيقية تُبرز جمال هذه الترنيمة، فكان هو أمجد عبد الله.
يقول أمجد وهو الملحن لموسيقى الختام لمسلسل ترنيمة الحب والثورة إن المسلسل يعد عملا ثوريا عظيما، ومثل تحديا بالنسبة له لأنه عمله الأول .
وذكر أنه العمل احتاج منه الكثير من المجهود حتى يستطيع أن يصل في نهاية المطاف أن يجد نغمة مناسبة تستطيع أن تظهر جمال العمل وتجذب المشاهد لأحداثه، لأن الموسيقى تعد العنصر الأساسي المكمل للرؤية الإخراجية.
انطلاق فعلي
يقول مخرج العمل محمد الطريفي إنهم لم يحددوا بعد موعداً رسمياً لانطلاق البث، لكنهم على تواصل مع عدد كبير من المنصات والقنوات المختلفة في العالم العربي، ولكن لا يوجد شيء واضح يمكن أن يصرحوا عنه حتى الآن بهذا الشأن.
وختم حديثة بما يخص مستقبل الدراما السودانية أن لديها مستقبلاً يدعو للتفائل من خلال عدد كبير من الشباب الذين يعملون على تحقيق هذا الأمر، وأنهم بحاجة للعمل أكثر لبناء سوق عمل مناسب للدراما السودانية لضمان تطورها بشكل أكبر.