آخر الأخبار

المسرح القومي السوداني وسيناريو الانهيار الوشيك

 إعداد – مصطفى سعيد

تبلُغ أحداث هذا العرض المسرحي الواقعي ذروتها عندما تجد خشبة المسرح نفسها تطفو فوق المبنى العائم بعد أن اجتاحته مياه الأمطار، وتفجَّرت المياه السطحية تحت أرضه، ليُصبح المبنى التاريخي مهددًا بالسقوط.

احتضنت خشبة المسرح القومي السوداني منذ إنشائها مئات العروض المسرحية، إلا أنها لم تتوقع في يوم من الأيام أن تجد نفسها بطلةً في عرضٍ تراجيدي تدور أحداثه حول الإهمال الذي تُعاني منه أبنيته؛ إهمال حوَّله من صرح ينبعث منه الجمال، إلى غابة كئيبة تكسوها غابات شجر العُشَر، وتتردد في جنباتها أصوات الضفادع والحشرات الخريفية.

مسرح وأُمَّة

للكاتب والشاعر ويليام شكسبير مقولة شهيرة يربط فيها بين وجود المسرح وتقدم الأمم والحضارات، حيث يقول: (اعطني مسرحاً أعطيك أُمَّة)، هذا الربط بين وجود المسرح ونهضة ووجود الأمم يستند على الأدوار الريادية التي يقودها (أبو الفنون) في المجتمعات عبر تثقيفها وعرض حالها، ولا غرابة في أن يتقهقر وضع المسرح في الدول التي لا تُعير فنونها اهتماماً، فتتبدد رسالته وينحسر صداها، وتصير دُوره مساكن للغربان والعناكب.

تم افتتاح المسرح القومي السوداني على يد الفريق إبراهيم عبود عام 1959. ولعبت خشبته لزمان طويل دور النافذة التي تُطل منها الإبداعات والفنون.

يرى مدير إدارة الفنون المسرحية والاستعراضية، عبد الله حسب الرسول، أن المسرح قد أسهم في إبراز المواهب المختلفة، وأظهر أغلبية المغنين الكبار، حيث كانت هناك مهرجانات ترفد الفعل الثقافي بالبلاد عبر مواسم راتبة.

بجانب النجوم السودانيين المعروفين، فقد اعتلى خشبة المسرح القومي عدد من النجوم العالميين، مغنين كانوا أو ممثلين، مثل كوكب الشرق أم كلثوم، والفنانة الجنوبية الأفريقية مريم ماكيبا، بالإضافة للممثلين المصريين عادل إمام وأحمد بدير، وأسطورة الجاز الأمريكي ارمسترونغ.

سماسرة المسرح

يعاني المسرح السوداني اليوم عدداً من المشاكل، على حد رؤية الأستاذ عبدالله حسب الرسول فإن أهم هذه المشاكل السياسات الثقافية التي خُطَّت خلال المشروع الثقافي.

يقول: ظهرت العديد من السياسات الخاطئة، بدءاً بسحب ميزانية المسرح وتوقف النشاط فيه، كذلك أُصدر قراراً بأن يصبح المسرح القومي دار عرضٍ فقط، وللأسف ساهم في ذلك مختصون وأكاديميون، وكان كل ذلك في بداية حكم الإنقاذ، هذه القرارات سحبت الدعم الذي كان يقدم.

ويضيف عبدالله حسب الرسول: “الفعل المسرحي ينبني على نشاط الفِرَق الفنية، وكانت أول ضحايا السياسات الثقافية الفرق الفنية التي خُصِّصت لها في السابق إدارة، ثم ظهرت مهرجانات المسرح التي أظهرت عددا من الذين تبنوها. ويطلق عليهم حسب الرسول (سماسرة المسرح)”.

ويعلِّق على هذا بقوله: “إن هناك عدداً كبيراً من المهرجانات التي كانت تجد تمويلاً من المؤتمر الوطني ومن وزارتي الثقافة والمالية، وكان ذلك على حساب استمرارية الأنشطة المستقلة، حيث يجني السماسرة المال من هذه المهرجانات، ولا يعطي منها المسرح شيئاً. الآن كل ما نراه هو نتاج لتلك السياسات الخاطئة”.

المسرح العائم

يُعاني المسرح القومي في فترة الخريف من ركود كميات كبيرة من المياه، وذلك لانخفاض المنطقة التي يقع فيها، حيث أصبح مستوى ارتفاع شارع النيل أعلى منه، وتم إغلاق مجرى المياه الخاص به منذ ثلاث سنوات بعدما رُدمت المنطقة التي تقع أمامه، فأصبحت مياه الأمطار تأتي من كل المناطق المتاخمة له لتتجمع فيه ولا تُبدد هذه المياه إلا أشعة الشمس.

فضلاً عن مياه الأمطار؛ فإن المسرح عائم فوق عيون مياه سطحية تتسرب مياهها بين كل فينةٍ وأخرى. تعود بداية المشكلة إلى عام 2005، عندما اختيرت الخرطوم عاصمةً للثقافة العربية، حيث تقرر إجراء صيانة شاملة على مباني المسرح، شملت الصيانة حينها المرأب الذي كان يحتوي على مكاتب داخلية، فتم اقتلاع أرضيته لاستبدالها ببلاط جديد ما تسبب في ظهور المياه السطيحة في الأرضية، وكانت المياه تزيد مع ازدياد منسوب النيل وتنخفض بانخفاضه، ثم أصبحت لاحقًا آخذةً في التصاعد.

في الفترة السابقة قامت ولاية الخرطوم مع محلية أم درمان بعمل عطاءات ليتم ردم المرآب وإلغاؤه تماماً، لكن لم تجد هذه العطاءات أي استجابة، وقبل 25أكتوبر 2021حدث تعاون مع اتحاد أصحاب العمل وأبدوا جاهزيتهم لمعالجة مرأب المسرح إلا أن وقوع الانقلاب أعاق تقدم الخطوات.

يصف مدير إدارة الفنون المسرحية والاستعراضية، عبد الله حسب الرسول، أبنية المسرح القومي وخشبته بأنهما يطفوان على عمق مياه يبلغ ارتفاعها مترًا وثمانين سنتمترًا، هذه المياه تهدد المسرح ككل بالانهيار في أي لحظة.

مصدر المياه

تعد منطقة أم درمان المتاخمة للشريط النيلي منطقة توجد فيها المياه السطحية على أعماق قريبة، هذه المنطقة كانت في الماضي القديم عبارة عن بركة مياه ضخمة.

استفسرنا عبدالله حسب الرسول عن مصدر المياه النابعة من المرآب، فسرد لنا رحلة تحققهم الطويلة من مصدرها قائلًا: “توصلنا مع جامعة أم درمان الإسلامية وكرسي اليونسكو للمياه، ثم أخذنا عينات من المياه الموجودة في أرضية المسرح القومي، لنتأكد ما إذا كانت مياه صرف صحي أو مياه سطحية، وتوصَّلت النتائج إلى أنها مياه سطحية، نابعة من الأرض”. ويضيف: “لدينا موتور 2 بوصة يعمل بشكل متواصل على إفراغ هذه المياه في النيل وبالطبع هذا ليس حلًا”.

مشاكل فنية

تدهور بيئة المسرح جعلت فني الصوت (مأمون عيسى إبراهيم) يُقدِّر الإمكانيات الفنية التي يعمل بها المسرح القومي بـ ١٥٪ من إمكانيات معايير المسارح العالمية، وحيث يقول: إن في الماضي كانت هناك عمليات صيانة دورية تُجرى على الأجهزة مشاكل فنية، أما الآن إننا نُعاني من ضعف الصوت، فالممثل لا يؤدي دوره مرتاحاً ويضطر للصراخ حتى يُسمِع الجمهور. وعندما يكون هناك عرض يقوم صاحب العرض بتجميع المعدات من جهات خارجية، لدرجة أنه يضطر لتغيير خطته الإخراجية وفقاً لواقع للمكان.

كذلك يعاني العاملون بالمسرح من عدم التأهيل، حيث يقول مأمون إنه يعمل متعاوناً منذ عام 2000إلا أنه لم يخرج إطلاقًا في دورة تدريبية، حتى أن الكمبيوتر تعلمه عبر الاجتهاد الفردي. ويرجِّح سبب التدهور هذا إلى عدم الاهتمام بالثقافة.

يكون أو لا يكون

يقول عبد الله حسب الرسول، إن إنقاذ المسرح القومي رهين بقرار سيادي فإما أن يكون المسرح أو لا يكون. وفقاً لقوله فإن هناك جهداً مستمراً لإنقاذ الوضع، وذكر أنهم اجتمعوا بوزارة المالية لتوفير بعض الاحتياجات مثل ستارة المسرح وخشبته.

هناك العديد من النداءات وأصوات الاستغاثة التي وجهها القائمين على أمر المسرح للجهات المختلفة، ويقول عبدالله إن عدم الاستقرار العام ينسف كل الوعودات.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.