آخر الأخبار

هل الصحيح هو مراجعة اتفاق سلام جوبا أم إلغائه، ولماذا؟

كتب: ناصف بشير الأمين

المطالبةُ بإلغاءِ اتفاقِ سلام جوبا 2020 بالكاملِ خطأٌ، والمحافظةُ عليه بالكامل غير ممكنةٍ، والصحيحُ هو مراجعةُ الاتفاقِ بمشاركةِ جميع أصحابِ المصلحةِ وذلك بهدفِ المحافظةِ على ايجابياتهِ والتخلص من سلبياتِه وأخطائه.

المطالبون بالغاءِ الاتفاق غاضبين من مواقف الحركاتِ المسلحة التي خانت الثورةَ – التي لولاها لم يكن اتفاقُ السلامِ ممكناً، وطعنت الثوارَ من الخلف، وتحالفت مع أعداءِ الثورة وبقايا نظامِ الانقاذ وتورطت في دعمِ وتأييد انقلاب البرهان، وعاثَ بعضُ من جأت بهم الاتفاقيةُ للحكومة في الفسادِ وسوء الإدارة بصورةٍ فاقت فسادَ النظامِ المباد.

من أكبر مثالبِ الاتفاق أيضا هي المسارات الكثيرة التي اُقحمت اقحاماً من قبل هذا الطرفِ أو ذاك، بدل قصرِ الاتفاق على مناطق الحرب في دارفور والمنطقتين، ولحدودٍ معينة شرق السودان.

يضافُ إلى ذلك فشل الاتفاق في تحقيقِ هدفه الرئيسي وهو وقفُ الحربِ والاقتتال الأهلي وتحقيق السلام في المنطقتين ودارفور، حيث استمرت أعمالُ القتلِ والاحتراب دون توقف، وهناك مؤشراتٌ على احتمال تصاعدِها وتوسع نطاقها، بدل أن يحدثَ العكسُ.

المعضلةُ هي أن المطالبين بالغاءِ اتفاقيةِ سلام جوبا بالكليةِ يقفون عند هذه السلبياتِ والأخطاء ولا ينظرون لايجابياتِ الاتفاق، وما أكثرُها، وهنا تكمن المشكلةُ في نهجِ هذا التوجه.

الاتفاقُ، بالمقابلِ، حقق مكاسبَ للمواطنيين في مناطقِ الحربِ مثل نسبة ال 40% من مواردِ الأقاليم لمدة 10 سنوات، ومنحهم حقوقاً سياسية مثل الحكم الإقليمي وحقوقاً اقتصادية وثقافية وهي حقوقٌ للمواطن العادي في دارفور أو المنطقتين وليس لقادةِ الحركات، وسيكون خطأً جسيماً سلبُ هذه الحقوقِ من مواطني هذه المناطق.

 هناك بنودٌ أخرى كثيرة حول دعمِ وتعزيز الحكمِ المدني الديمقراطي، وحمايةِ حقوق الإنسان، وتأكيدِ مدنية الدولة، وعقدِ المؤتمرِ القومي الدستور، وتحقيقِ العدالةِ الانتقالية وآلياتها، وتسليمِ المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتكوينِ المفوضيات ….إلخ تجب المحافظةُ عليها وتطويرها.

هناك أيضاً برتكولُ الترتيباتِ الأمنية الذي تضمن بنوداً هامةً جداً ((وقع عليها قادةُ الجيش)) تنص على حلِ جميع الجيوشِ والمليشياتِ وتطهير الجيشِ من العناصر المسيسةِ التابعة للإسلاميين، وإعادة هيكلةِ القطاع الأمني والعسكري عبر بناءِ جيشٍ قومي مهني واحد بعقيدةٍ قتالية جديدة قوامُها الولاءُ للوطنِ والشعبِ والدفاع عن حدودِ البلاد ضد الاعتداءاتِ الخارجية والنأيُ بالجيشِ عن السياسية. هذا أهمُ بروتكول تم تضمينه في الدستورِ منذ الاستقلالِ وتجب المحافظةُ عليه وليس إلغائه.

مهمُ أيضاً فهمُ أن نسبةَ ال 25% في الحكومةِ المركزية الممنوحةَ لأطرافِ الاتفاقية، هي لمواطني المنطقتين ودارفور وليس لقادةِ تلك الحركاتِ المسلحة، وإذا اتفقت قوى الثورةِ في المستقبل على تكوينِ حكومةِ كفاءاتٍ وطنية غير حزبية في ما تبقى من الفترة الانتقالية، فيجب أن يشمل ذلك أيضاً النسبةَ المخصصةَ لأطرافِ اتفاقِ السلام، وأن يُلزموا بترشيح كفاءاتٍ وطنية لا تنتمي للحركاتِ المسلحة لشغل نسبة ال 25%، مثل غيرهم.

فوق ذلك، فإن إلغاءَ الاتفاق جملةً بخيره وشره، سيضيف فصلاً جديداً أكثر قبحاً في كتابِ نقض العهودِ والمواثيق سئ السمعة، وسيرسل رسالةً سالبة للحركاتِ المسلحة التي لم توقع بعد على اتفاقِ السلام – تحديداً القائدين عبد العزيز الحلو وعبد الواحد النور.

خلاصةُ القولِ هي أن لدى المطالبين بالغاءِ اتفاق السلام دوافعٌ وأسباب موضوعية يمكنُ تفهمُها، ولكنها مع ذلك لا تبرر إلغاءَ الاتفاق بالجملة. يجب ألا تدفعنا الأخطاءُ الاستراتيجيةُ التي ارتكبها قادةُ الحركاتِ المسلحة المتحالفة أو المتواطئة مع الانقلابِ، والتي سقطت في أولِ اختبارٍ ثوري ديمقراطي – بمنطقِ ردود الأفعال، إلى ارتكابِ خطأ أكبر وهو إلغاءُ كامل الاتفاق، بدل إلغاءِ عيوبه وأخطائه دون غيرها. الصحيحُ إذن هو مراجعةُ الاتفاقِ – بمشاركةِ كلِ أصحاب المصلحة، وذلك بغرضِ التخلصِ من عيوبه وأخطائه والمحافظة على ايجابياتِه وتطويرها.

ناصف بشير الأمين

25 أكتوبر 2022

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.