آخر الأخبار

معرض الزهور.. لوحة فنية ولفتة تاريخية بارعة

الخرطوم- موضي بشرى / ريم إبراهيم

واهمٌ من ظن أن معرض الزهور هو معرض للزهور فقط، فهو يجمع بداخله العديد من المواهب الناشطة في عدة مجالات كالفنون والتصوير والهندسة الزراعية، فهو ملتقى للفنانين والمبدعين الذين زينوا جدران وأرضيات المعرض بأعمالهم اليدوية المصنعة من مواد صديقة للبيئة، منها ما نُحت على الأخشاب ومنها ما رُسم على الجلود وما شابه ذلك.

عند دخولك للمعرض أول ما يجذب انتباهك هي تلك اللافتة المعلقة على أحد المشاتل التي تحمل معاني ضخمة بكلمات أغنية للشاعر قاسم أبو زيد “الأطفال يا بنية بيغنوا الأفراح لابد من ترجع”.

وتنظم جمعية فلاحة البساتين السودانية منذ تأسيسها في عام 1934معارض سنوية، وهي تمثل امتداداً لنهج معارض الزهور والورود التي كانت تقام داخل قصر الحاكم العام البريطاني منذ عام 1930وتقلد رئيس جمعية فلاحة البساتين محمد صالح الشنقيطي منصب أول رئيس للجمعية.

فن لف الورق

في منتصف المعرض تجد الفنانة التشكيلية هدى التي أبدعت في فن لف الأوراق واستطاعت أن تصنع منه لوحات جميلة أسرت بها قلوب زائري المعرض نظراً لأنه فن غير مستخدم كثيرا في السودان لندرة الأدوات المستخدمة لصناعة اللوحات، وتستخدم هدى ورق الكانسون لنعومة ملمسه وسهولة تشكيله، يتم تقسيم الأوراق بمقاسات تبدأ من 1ملم إلا أنها تبدأ بتقسيم الورق من ٣ملم لأنه يحتاج إلى دقة عالية لصغر حجمه، ويتم لف الأوراق بإبرة خاصة بها فتحة بالمنتصف، كما يمكن تشكيل الأوراق الملفوفة على حسب رؤية الفنان وتصوره للعمل الفني المراد ولم يتوقف فنها على الزهور والورود فقط، بل ذهبت لأبعد من ذلك بصناعاتها اليدوية من مواد قابلة للتدوير كالخيش وخيط الدبارة واستخدامها في عمل تحف ومصابيح منزلية، كما تعمل على إعادة تدوير أعواد البوظة واستخدامها في صناعة مناظر تعلق على الحوائط والديكورات المختلفة،

وقد أكدت هدى أن هذا الفن لا يتعرض للتلف خاصة من قبل الماء نظراً لأنه مصنوع من الورق، حيث يتم تثبيت الأوراق الملونة بالغراء المخفف بالماء ودهنها فيما بعد بطلاء شفاف لضمان إبقائها جافة في حالة تعرضها للماء.

وترى هدى بأن الجمال يمكن صنعه بأقل الإمكانات المتاحة بإعادة تدوير المواد المتوفرة وخلق تحف فنية صديقة للبيئة وممتعة في النظر.

وعلى مقربة منها تجد أسعد سليمان وهو فنانا آخر برع في المجال نفسه لكنه انتهج نوعاً آخر من فن لف الورق فهو يصمم لوحات ذات الطابع الأفريقي، وشجع أسعد الشباب على ممارسة الفنون اليدوية، فهو يرى أنها فنون بسيطة تحتاج إلى هواية فقط مع بعض الأدوات جعلته يعمل بشكل محترف، كما الأدوات الحقيقية المستخدمة في المجال، فقد حول دبوس الشعر إلى أداة للعمل المبدع الذي مكنه من جني أرباح وأيضا أشخاص يحبون عمله، فهو يحول كل شيء تقريبا إلى عمل فني حتى فارغ البلاستيك يوظفها في شكل تحف وأشكال زينة تجمل الأماكن.

هندسة وجمال

وهذا الجمال الذي يزين المعرض لم يأت من فراغ، فهناك مهندسون زراعيون برعوا في الاعتناء بالزهور والأشجار المثمرة.

فاطمة محمد مهندسة زراعية لديها بستان صغير داخل المعرض تستعرض فيه أعمالها من النباتات كشجرة التوت التي نجحت في تعقيلها ورعايتها إلى أن تذوقت ثمارها، وما أسهم في هذا النجاح هو أن السودان يتميز بتربة خصبة تنبت كل ما يزرع عليها، فهي ميزة حبانا الله بها جعلت السودان قبلة أنظار العالم وسلة غذائه.

وهذا ما أصبغت عليه المهندسة الزراعية مودة إبراهيم والحاصلة على درجة الماجستير في الهندسة الزراعية، بأن الأراضي في السودان أراض خصبة لما بها من أملاح ومعادن كان لها بالغ الأثر في نجاح الأشجار المثمرة التي تحتاج لمناخ معين إلا أنها تأقلمت، بل وأنتجت ثمارا بجودة عالية.

ولم يقتصر الأمر على الأشجار المثمرة فقط، بل تعداها إلى الكثير من نباتات الزينة كالورد الإنجليزي ونبات السايكس من عائلة النخيليات والتي تأقلمت مع الأجواء ونمت بشكل جيد.

قبطان الزهور

مشتل عبداللطيف أحمد الملقب بـ(القبطان)، الذي تتوسطه بحيرة صغيرة تحيط بها أزهار ملونة وعلى مقربة منها عصافير زينة وحيوانات اليفة. وأرفف ازدحمت بأعمال الخزف والمشغولات اليدوية، له وقع مريح على النفس تجعل كل من مر به يقف ويتأمل في جمال هذه اللوحة الفنية التي تتشبث بمخيلته إلى أن يصبح جزءا من هذه اللوحة.

تمنى عبداللطيف الاهتمام بالزراعة المنزلية لأنها زراعة ناجحة وخالية من المواد الكيميائية كما أنها اقتصادية وتساعد على التوفير، بالإضافة الى تربية الحيوانات الأليفة، فهي بمثابة جماليات للمنزل وتعد اكتفاءً ذاتياً وايضاً لها ابعاد أخرى تعين الأسر في تربية الأطفال بانشغالهم بها ومراقبتها.

السودان أصالة وعراقة

كل هذا الجمال والحداثة في الاعمال الفنية لم ينسنا موروثاتنا الشعبية، فهي بمثابة هوية عريقة تميزنا بين الشعوب.

خصص لها المعرض مكانا حمل معالم التراث السوداني.

إقبال مبارك، امرأة سودانية تمسكت بعادات قبيلتها التي تقطن في شمال ووسط كردفان، والتي لطالما اهتمت بها وخلق نوعا من الترابط بين ماضي القبائل حاضرها ودعت لعدم نبذ هذه العادات والتمسك بها.

هامت إقبال في وصفها لعادات الزواج المختلفة لدى القبائل السودانية، وتعريفها بالأدوات التي تستخدم في الجرتق كالحُق الذي يصنع من شجرة اللقطة، وبعد تشكيله توضع بداخله الحناء والعطور والقرنفل والمحلب والتي يتم وضعها على جسد العريس وأصدقائه بما يعرف بالفال، وتزامنا مع وضع الحناء يقوم أصدقاء العريس بعمل استعراضي برقصات محلية للتعبير عن فرحهم باستخدام آلة الطنبور للعزف ورقص الجراري، وهي رقصة خاصة بالرجال فقط والتي تنتهي بها فعاليات الحناء.

 

وفي مقارنة منها بين عادات الزواج في الماضي والحاضر فقد استنكرت إقبال استخدام أدوات الجرتك الآن للزينة فقط، وتحدثت عن استخدامات الأواني اليدوية الصنع في الحياة اليومية للقبائل السودانية المختلفة والتي صُنعت من المواد المحلية الموجودة في البيئة المحيطة كالقرع والفخار جلود الحيوانات، كما تحدثت عن زينة العروس لدى قبيلة الشنابلة ووضع حاجياتها عند ترحيلها لبيت الزوجية في حقيبة تسمى أبو حسين والتي تصنع من الزعف والجلد لحفظ مستلزمات العروس من عطور وغيرها والتي توضع مع باقي حاجياتها على الهودج وتضمن هذه الحقيبة إبقاء العطور سليمه في حالة سقوطها من على الهودج.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.