الخرطوم – بشير النور
تقول سيدة مكي، التي تسكن منطقة الحاج يوسف، بولاية الخرطوم، إنها ظلت منذ أكثر من 30 عاما تقوم بصناعة الحلو مر (الآبري) لشهر رمضان المعظم، لكنها قررت عدم صناعته لهذا العام نسبة لظروفها المالية الصعبة لاسيما وأنها من صاحبات الدخل اليومي.
وذكرت سيدة لـ(سلا نيوز)، أن عدم امتلاكها المال الكافي إثر الأوضاع الاقتصادية الصعبة أجبرها على التخلي عن (عواسة الآبري) رغم أهميته الأساسية في مائدة صينية الإفطار. وتابعت: “إذا وجدت أموالا سوف أقوم بشرائه من السوق”.
وأبدت سيدة تحسرها الكبير على عدم وجود الأبري خلال الشهر المكرم. وتابعت: “أي صينية إفطار ما فيها آبري تعد ناقصة”.
ولفتت إلى عدم رغبة 4 نساء من جيرانها في السكن في عواسة (الآبري) بسبب الظروف الاقتصادية.
الخرطوم.. العصائر
واتفقت محاسن حسين مع سيدة بعدم قيامها بصناعة الآبري للعام الحالي بسب الغلاء الكبير لمكونات صناعة الآبري التي تقارب آلاف الجنيهات، وذكرت أنها ستقوم باستبدال الأبري بعصائر أخرى أقل تكلفة مادية٠
وحول مدى تأثير فقدان مشروب الآبري تقول محاسن إنها لن تتأثر كثيرا بفقدانه. وتقول “يعني لو ماقدرت اعمله أعمل شنو؟”.
الدامر.. مديونيات
بدورها وصفت اشتياق حسين أحمد، من الحلة الجديدة بمدينة الدامر بولاية نهر النيل، أن (عواسة) الآبري لهذا العام تمت عبر (مجازفات) باستقطاع من المرتب ومديونات بلغت جملتها نحو 300 ألف جنيه. وتابعت “قمنها بعواسة الآبري كأسرة وجيران ولم نؤجر نساء حتى لا ترفع التكلفة المالية”.
وأشارت إلى وجود بعض الأسر في المنطقة آثرت عدم الخوض في عواسة الآبري في هذا العام لضيق ذات اليد بينما فضلت فضلت أسر أخرى الشراء من السوق لأسباب بينها أن برنامج عواسة الآبري طويل وممتد ومكلف ماليا وبدنيا.
الجنينة.. مرهق
بدورها ذكرت آمنة هارون من حاضرة غرب دارفور مدينة الجنينة حي الوادي أن عملية عواسة الآبري لأغلب نساء محلية الجنينة أصبحت بالنسبة لديهن غير مرغوبة في الوقت الحالي للعديد من الأسباب بينها الوضع الاقتصادي الصعب وتكلفته المالية العالية وترتيباته الممتدة.
وأكدت آمنة أن أسرتها لم تقم بعواسة الآبري منذ 4 سنوات متتالية.
وقالت إن عواسة الأبري ارتبطت في السودان من زمان بالمناطق الطرفية.
وأشارت إلى أن بين الأجيال الجديدة من الشابات أصبحن لا يفضلن الخوض في عواسة الأبري لبرامج عواسته الطويل والمرهق من مرحلة التخمير وجلب الحطب، مشيرة إلى لجوء بعض الأسر بشراء الآبري من السوق.
كسلا.. ربع المقدار
وتفيد غادة كمال الدين حي الدرجة بمدينة كسلا شرقي السودان بأن الوضع الاقتصادي ألقى بظلاله السالبة على كافه مناحي الحياة، بينها مشروب الحلو مر المتلازم لشهر لرمضان، حيث قاموا بعواسة بكمية تكون ربع المقدار من الأعوام السابقة وهي كمية بسطية، بحسب تعبيرها.
بينما قالت سماح محمد أحمد من مدينة كسلا شرقي السودان “نعم أنا عست الآبري لكن المعاناة كانت أكبر في تكلفة المواد”.
ويحظى مشروب الحلو مر بمكانة كبيرة لدى السودانيين، إذ لا تخلو منه موائدهم الرمضانية، وهو مشروب يطفئ الظمأ وتبتل به العروق، بل يعتقد فيه السودانيون إنهاء حالة الشعور العطش، فضلا عن راحة المعدة واسترخاء الجسم. مما يجعله مفضلا على أغلب أنواع العصائر والمشروبات.
تأثير التضخم
بينما قال عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية يوسف خميس أبو رفاس إن تأثير الوضع الاقتصادي والتخصم وتكلفة المعيشة ألقى بظلاله على الأسر السودانية التي صارت تركز في عملية الشراء الأساسية فقط أو شراء الآبري من السوق.
وأوضح أن وجود البدائل الطبيعية للآبري مثل الكركدي والقنقليز والعرديب والفواكه الرخيصة، جعل الأسر السودانية تلجأ إليها كبديل لمشروب (الآبري) نتيجة لتكلفة المالية الكبيرة والمرتبط أيضاً بطقوس اجتماعية وتجمع العديد النساء في مكان واحد.
إحجام عن الشراء
بينما يشير محمد أحمد تاجر توابل بسوق بحري بالخرطوم، إلى عدم إقبال نسبة كبيرة من النساء تفوق 70% على شراء مستلزمات صناعة الآبري ووصف الشراء بالبطيء جدا بسبب ارتفاع الأسعار٠
وحول أسعار متطلبات الأبري قال أحمد إن رطل القرفة يبلغ 2500 جنيه بينما يبلغ رطل العرق الأحمر 3000 القرنجال بينما يبلغ رطل الكركدي 1500 جنيه ووصل رطل العرق الأبيض 2000 أما رطل الكمون 2000 جنيه.
وذكر محمد أحمد أن عدم الاستقرار السياسي خاصة بعد انقلاب العسكري في 25 أكتوبر انعكس على مجمل الأوضاع الاقتصادية وعلى إقبال المواطنين للشراء من الأسواق خاصة أصحاب المرتبات بجانب عدم وجود الرقابة في الأسواق.
بربر.. الزريعة
وبجسب روايات سودانية فإن السيدة التي ابتكرت الحلو مر (الأبري) إسمها آمنة بت عبد الرازق ود الفحل من مدينة بربر بولاية نهر النيل شمالي السودان في عام 1860٠م، وكان ذلك بالصدفة، حيث كانت تحتفظ بجوال عيش (فتريتة) في مخزنها، وحدث أن هطلت أمطارا ووصلت إلى جوال العيش عبر السقف فنبت في داخل الجوال مكوناً (الزريعة) ولحاجتها له قامت بتجفيفه وطحنه وعندما استخدمته وجدته حلو المذاق أصرت على استخدامه بإضافة بعض التوابل، وتطور به الحال إلى أن صار كما هو اليوم بهذا الشكل والطعم الجميل والمشروب السوداني الراقي المعروف لدى الجميع ب(الحلو مر أو الأبري).
المائدة السودانية
ويمثل مشروب (الحلو مر)، سيّد المائدة السودانية خلال شهر رمضان المعظم، وهو مشروب تقليدي متوارث عبر الأجيال. ويسبق إعداد (الحلو مر) أو (الآبري)، كما يحلو للكثيرين تسميته، دخول الشهر الفضيل بوقت ليس بالقصير، إذ تنشط النساء في إعداده مع حلول شعبان، ويتعاونّ في إعداده الذي يستغرق وقتًا. ويؤكد سودانيون على ان (الحلو مر)، كمشروب مفضّل لدي الغالبية العظمي من سكان السودان.
السفارة الأمريكية
وقد نظم موظفو السفارة الأمريكية في الخرطوم الأيام الماضية، جلسة الطقوس المهمة في استقبال شهر رمضان بالسودان، وهي (عواسة الحلو مر) أو (الآبري).
وبحسب ما نشرته صفحة السفارة على (فيسبوك)، فقد تمت الجلسة من قبل الموظفين لاستقبال شهر رمضان المبارك، ولتعريف زملائهم الجدد بهذا الطقس، «ومشاهدة كيفية صنع المشروب الشهير ومعرفة ما يعنيه للشعب السوداني خلال الشهر الكريم».
مشروب لذيذ
وبعد ختام (العواسة)، قال أحد الأمريكيين: «إن مشروب الآبري لذيذ جداً! ولا أطيق الانتظار لتجربة رمضان في السودان وأنا ممتن لزملائي السودانيين لمشاركتهم معي كل الأشياء التي تجعل هذا الشهر مميزاً للغاية هنا، بما في ذلك الأمسيات مع العائلة والأصدقاء».
ومن اسم ( الحلو مر) هو مشروب يجمع بين الحلاوة والحموضة بسبب مكوناته الكثيرة والمتداخلة من الذرة والتوابل المختلفة، حيث يتم تجهيز الذرة بطريقة محددة في المرحلة الأولى التي تعرف بـ (الزريعة) قبل طحنها وخلطها بأنواع من التوابل ثم (عواستها) في شكل رقائق داكنة اللون يتم غمرها في الماء لعدة ساعات قبل تصفيتها في هيئة المشروب النهائي.