الخرطوم – بهجة عماد
لجأت (أم محمد) وهي ربة منزل تبلغ 46 عاما إلى بيع الأطعمة بمنطقة (شرق النيل) التي تسكن فيها، تقول إنها خرجت إلى العمل لمساعدة زوجها في احتياجات أسرتها.
وتحدثت أم محمد التي تعول 6 من الأبناء لـ(سلا نيوز)، بحسرة شديدة قائلة “في الفترة الأخيرة بدأ عملي يتراجع وفقدت الكثير من الزبائن بسبب عدم الإقبال على الطعام أعده، الأمر الذي دفعني للتوقف عن العمل قبل حلول شهر رمضان”.
وذكرت أن الأرباح التي تجنيها لا تغطي التكاليف اليومية من إيجار المحل وغيره، لدرجة أنها في بعض الأحيان تجد نفسها مطالبة بديون من الذين تتعامل معهم من (الجزار وبائع الخضروات) ما دفعها إلى ترك بيع الطعام والعمل كبائعة شاي باعتباره أقل خسارة لكنها تشكو من شبح الحملات التي تنظمها المحلية إلى جانب الكساد لا يترك لها مجال.
وقالت إن الكثير من المواطنين السودانيين باتوا يفضلون تناول الوجبات في منازلهم لتقليل المنصرفات.
من جهته يشكو حسن بشير تاجر فواكه وخضروات (بسوق الوحدة) من ركود بضاعته بسبب ضعف القوى الشرائية ما أدى إلى تلف الفاكهة، لجهة أنها صارت غير صالحة للبيع.
وقال في تصريح لـ(سلا نيوز)، “في السابق كنت أستطيع شراء الفواكه بمفردي، لكن الآن أدخل في شراكة مع 4 تجار على الأقل لتغطية رأس المال لأن (لوري) البطيخ أصبح سعره مليار جنيه سوداني، يقسم بيننا لنتمكن من إكمال عملنا الذي صار في خطر”.
وأضاف “بعد كل هذه المعاناة تراجعت القوى الشرائية رغم الأسعار الزهيدة، وقيمة ما نكسبه خلال اليوم لا تغطي متطلبات الحياة اليومية لأسرتي الصغيرة”.
ويتخوف حسن من أن ينتهي به الحال سجينًا أما شاكياً أو مشكواً ضده بسبب الخسائر اليومية.
إلى ذلك، قال المواطن عبد الباقي صالح، وهو موظف في القطاع الخاص، إن ضعف القوى الشرائية أمر طبيعي في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، علي الرغم من ثبات سعر الصرف في الفترة الأخيرة وتوفر الموارد، “إلا أن السيولة ليست كافية والدخل محدود وهذه واحده من الأسباب لتوقف العجلة الشرائية”.
ويشير عبد الباقي الذي يعول خمسة من الأبناء، إلى أن راتبه الشهري لا يكفيه لقضاء احتياجات أسرته لكنه يكتفي بشراء الأشياء الضرورية فقط، وهو ما يسبب له قلق مستمر تجاه التزاماته الأسرية.
وقال إن السودان يمر بفترة حرجة بسبب (التشاكس) بين المدنيين والعسكريين من جهة وبين قادة المكون العسكر من جهة أخرى بين المكون المدني والعسكري، ما انعكس سلبا على حياة المواطن.
الكساد يفرض نفسه
تُرجع الصحفية المهتمة بالشأن الاقتصادي عايدة قسيس، لـ(سلا نيوز)، أسباب الكساد إلى ضعف القوة الشرائية بسبب قلة السيولة النقدية “تحديدًا في هذا العام فرض الكساد نفسه في كافة القطاعات، حيث أصبحت السلع المستوردة والمحلية متوفرة وبأسعار زهيدة لكن لا توجد قوة شرائية والسبب الرئيسي هو توقف حال البلد”.
وأضافت “تأخر المرتبات وعدم اتزانها في المؤسسات يقيد تحرك عجلة الاقتصاد التي تبدأ من المواطن إلي تاجر التجزئة ثم تاجر الجملة وصولا إلي المصنع” وتوقف هذه العجلة أدى إلى توقف بعض المصانع وتقليل إنتاجية مصانع الأخرى.
وذكرت أن “شهر رمضان تعوض فيه القطاعات التجارية والزراعية والصناعية ركود الموسم، لكن هذا العام أصبح الحال مختلف تماما، فأغلب المواطنين لم يتمكنوا من شراء الحقيبة الرمضانية بكافة مستلزماتها وأكتفوا فقط بالضروريات المتعلقة بالمائدة الرمضانية وهذا يرجع إلى ضعف قيمة العملة السودانية”.
وقالت عايدة إن الضغط الذي تمارسه الدولة من جٍبايات وضرائب وجمارك ورسوم مفروضة علي القطاعات المختلفة من الأسباب القوية التي أدت إلى الكساد بالصورة التي عليها اليوم.
وأردفت “هذه من السياسات الخاطئة التي لا ترجع بالفائدة علي أصحاب المصلحة. لافتة إلى أن الكثير التجار والمزارعين قابعون بالسجون بسبب عدم تسديد الرسوم للبنك الزراعي والبنك التجاري”، مضيفة “إلى جانب غياب الحكومة في وضع السياسات بالصورة الصحيحة لتحرك العجلة الاقتصادية في مختلف القطاعات سيكون البلد والوضع الاقتصادي في حالة ركود تضخمي متزايد”.
أطراف الأزمة
ويرى المحلل الاقتصادي وائل فهمي في تصريح لـ(سلا نيوز)، أن المشكلة تكمن في أن التجار الذين ما زالوا يشتكون كحال المواطنين من ركود مبيعات منتجاتهم أنهم ما زالوا يضيفون أي زيادات في أسعار الصرف أو الضرائب أو رفع الدعم الى أسعار البضائع التي يعرضونها للبيع بالأسواق. وأضاف “هذا يؤدي إلى إضعاف القوى الشرائية، فعدم قدرتهم على صناعة سياسات تحافظ على الأسعار بامتصاص ضغوط سياسات الحكومة التحريرية والدولية، ولو عبر تخفيض تكاليف خدماتهم”.
وأردف، “لم يساعدوا أنفسهم والمواطن في تخفيف ضغوط الضعف المستمر في القوى الشرائية بالأسواق لتنشيطها وهذه النقطة تفيد بأن التجار هم أحد أطراف أزمة الأسواق بالسودان”.
وأفاد وائل بأن “الموضوع ليس في وفرة البضائع بالأسواق أو استقرار أسعارها، المشكلة المحورية في ضعف القوة الشرائية التي جعلت وفرة البضائع كعدمها للمواطن لعجزه عن الشراء بسبب ضعف الدخول النقدية بالنسبة لأسعار البضائع المرتفعة بالنسبة له بغض النظرعما يفيد به التجار بانها مستقرة”.
وأضاف أن السودان من الدول ذات الأجور المنخفضة أصلا وأن سياسات حكومة الفترة الانتقالية إلى جانب الأزمات الدولية أدت إلى إضعافها بشكل مستمر بسبب التضخم الذي ما زال جامحا حتى الآن، مما تسبب في ركود حاد أدى إلى انكماش في مختلف قطاعات الاقتصاد السوداني من صناعة وخدمات وغيرها، انعكس في تزايد البطالة والفقر بالبلاد.
وذكر وائل أن الواقع الذي تعيشه البلاد نتيجة طبيعية وحتمية ومتوقعة مع الاستمرار في تنفيذ سياسات التحرير الاقتصادي التي “تمثلت في تعويم سعر الصرف وزيادة الضرائب ورفع الدعم وتحرير الدولار الجمركي اضافة إلى زيادة الالتزامات المالية على الموازنة العامة في ظل الحصار المالي الدولي”.
وأشار إلى أنه مع سياسات الضغط النقدي وتوقف مشاريع التنمية وذلك الى جانب الضغوط التضخمية العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاعات أسعار الفائدة الأمريكية وضغوط أزمات البنوك الأمريكية والسويسرية “بما أتاح لمستويات الأسعار العامة للارتفاع المتواصل الأمر الذي أدى إلى تدهور القوى الشرائية للجنيه السوداني، والذي بدوره فاقم أزمتي البطالة والفقر اللائي يقللن من المشتريات بالأسواق”.