آخر الأخبار

السودان.. ثائرات خلف قضبان المعتقل

 

الخرطوم – هديل عماد الدين

في ظل بركان لا يزال مشتعلاً في نفوس السودانيين واستجابة لدعوات كانت قد أعلنتها جهات وتنظيمات مختلفة، خرج المئات من مختلف أطياف الشعب تلبيت لنداء الحرية، تمثل ذلك في عدت مليونيات ومسيرات كان منها ذكرى الثلاثين من يونيو لثورة ديسمبر للتعبير عن غضبهم ورفضهم للوضع الحالي حتى وبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على الفترة الانتقالية، وكما هو متوقع قوبلت هذه التظاهرات بالكثيرمن العنف والقمع المفرط من قبل القوات الأمنية لمنعها من التقدم.

تأتي هذه التظاهرات في الذكرى الثالثة لخروج السودانيين في الثلاثين من يونيو/ حزيران الماضي من العام 2019م للاحتجاج على مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، كما تتزامن أيضا مع ذكرى انقلاب قادة الرئيس السوداني السابق عمر البشير عام 1989، وذلك على آخر حكومة منتخبة ديمقراطيا.

حيث يطالب المتظاهرون في هذه الذكرى بتسليم السلطة إلى المدنيين بعد 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021م وهو تاريخ انقلاب قائد الجيش البرهان.

ثائرات                                                

كما هو معتاد كان للمرأة السودانية بصمتها الواضحة من خلال هذه التظاهرات، حيث شكلت العمود الفقري من خلال مشاركتها الفاعلة في الحراك الثوري منذ اندلاعه، كذلك كانت أنثى الثورة حاضرة.

أصوات مكتومة                                            

كلما تعالت أصوات نداء الحرية كلما كان صداها أكثر رعباً في قلوب الخائفيين، هكذا كانت الثورة السودانية دوما أصوات تسمع برغم كتمانها، ومنذ انقلاب 25 من أكتوبر الماضي، قوبلت تلك المليونيات والمسيرات بأشكال مختلفة من العنف والبطش من قبل الجهات الأمنية، وأبرزها الاعتقالات للكثير من الثائرين، هذه الاعتقالات التي طالت حتى النساء أو بحسب ما يطلق عليهم (الكنداكات)، والذين كانوا مشاركين ببسالة ويتقدمون الصفوف، تاركين بذلك خوفا وقلق لذويهم.

كنا قد سألنا نفيسة حجر إحدى عضوات محامي الطوارئ التي صرحت بالقول إن الثائرات كان لهن نصيب كبير من الاعتقال وبلغ عددهم (33) ثائرة، تم اعتقالهن في مليونية 30 من يونيو الماضي وتم ترحيلهن لسجن النساء، وأضافت بالقول إن البلاغات التي تم فتحها ضدهن كانت بلاغات شغب وإزعاج عام تحت المواد 69 و 67 من القانون الجنائي، مع العلم أن هذه المواد يجوز فيها الإفراج بالضمان، وأن الثائرات حُرمن من هذا الحق وهو خروجهن بالضمان آنذاك، كما هو الوضع الطبيعي ومن مقابلة ذويهن ومن مقابلة محامينهن.

الوضع العام                                             

ذكرت نفيسة – حجر في إشارة للوضع العام للثائرات في ذلك الوقت والمعاملة التي عوملن بها – أنهن تعرضن للضرب والتعذيب والذي وصفته بالمبرح واللا إنساني وكان ذلك “بخراطيش” على مختلف أجزاء الجسم على الرأس والعنق والوجه بصورة انتقامية من قبل القوات الأمنية على حسب قولها. وأوضحت أنه “بعد خروجهن طالبن بصفتهن محامي طوارئ بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة كاستخراج “أرنيك 8” والخضوع للعلاج الطبي لمن تستدعي حالتها ذلك، وضرورة فتح بلاغات في مواجهة المعتدين.

وأشارت كذلك أن الوضع في سجن التائبات سيئ جداً وأنهم في محامي الطوارئ قد قدموا مذكرت للأمم المتحدة قبل موكب 30 من يونيو بيوم واحد، أوضحوا من خلالها أنهم يحملون الأجهزة الأمنية مسؤولية أي انتهاكات تقع في مليونية الثلاثين، وأنهم سيسعون لمقاضاة كل من يرتكب انتهاكات في حق الثوار وكل المواطنين السودانيين الذين يخرجون في المواكب السلمية.

وختمت حديثها بأنهم على استعداد لتقديم أي شكوى تجاه كل من يرتكب مثل هذه الانتهاكات، وأن الوضع الأن أصبح مقلقاً وأن الاعتقالات التي تتم بأعداد كبيرة للنساء والفتيات في ريعان شبابهم على حد قولها ما هي إلا محاولة لكسر عزيمة المرأة السودانية وتخويفها وحرمانها من المواصلة في مسيرة النضال.

وفي حوار لنا مع عثمان البصري عضو لجنة محامي الطوارئ، عند سؤالنا له عن الإحصائيات الكاملة لعدد الثائرات اللاتي تم اعتقالهم من يوم 25 من أكتوبر الماضي أي منذ الانقلاب وحتى الآن أجاب بالقول إنه لا توجد إحصائيات دقيقة. وأرجع ذلك إلى أن عملية الاعتقال تتم في عدة أماكن.

وأضاف أن هناك بعض الإحصائيات التقريبية التي قد تصل إلى ما يقارب 200 معتقلة من يوم 25 من شهر أكتوبر.

وقد عبر بالقول إن ما تتعرض له أنثى الثورة من انتهاكات واعتقالات منذ بداية الحراك الثوري وإلى الآن لم يزدها إلا إصرارا وعزيمة على المشاركة الفاعلة.

كل المعتقلات اللائي تم اعتقالهن تم إطلاق سراحهن بالضمانة أو شطب البلاغات بالتعهد الشخصي، ولكن تجربة الاعتقال في حد ذاتها مثلت تحدياً نفسياً كبيراً بالنسبة للثائرات ما خلف بعض الندوب النفسية وليست الجسدية فقط وستظل باقية في ذكراهم إلى أمد غير قريب.

وقفات

وفي سياق آخر تتنوع أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في ظل الثورة ومن أبرزها العنف الجنسي، منذ انقلاب 25 من أكتوبر تعرضت الكثير من الثائرات لحالات مثل التحرش والاغتصاب، لكن معظمها لم يتم تسجيلها بشكل رسمي، تقول الإحصائيات الرسمية أن هناك (3) حالات عنف جنسي مسجلة فقط (منظمة حاضرين) في حين أن العدد الحقيقي للضحايا لا يمكن حصره، لعدم وجود إحصائيات حقيقية يمكن إثباتها لأن حالات الاعتداءات تحدث في أماكن متفرقة.

وفي تصريحات إعلامية سابقة تقول سُليمة إسحاق مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة إنهم وثقوا (3) حالات اغتصاب و(20) حالة تحرش منذ انقلاب 25 من أكتوبر. كما ذكرت رحاب مبارك عضو لجنة محامي الطوارئ أن (4) حالات فقط من ضحايا الاغتصاب من جملة (30) تمكنّ من تدوين بلاغات لدى الأقسام الشرطية ولم يتم تحريكها حتى الآن.

أرواح صاعدة

منذ انقلاب 25 من أكتوبر وصل عدد الشهداء إلى (116) شهيداً من بينهم (3) شهيدات، وذلك وفق الإحصائيات الصادرة من منظمة حاضرين، التي تشير إلى أن نسبة الشهداء منذ انقلاب 25 من أكتوبر تفوق الشهيدات، حيث وصلت إلى 98%، بينما تصل نسبة الشهيدات إلى 2% من العدد الكلي، برغم ذلك يمثل هذا الرقم سلسلة من الألم لكثير من الأسر التي فقدت أبناءها وبناتها في سبيل السلام والعدالة.

استجابات

منذ الانقلاب توالت الدعوات للخروج للشارع للتعبير عن الرفض للوضع الذي أصبح يزداد سوءً يوماً بعد يوم، وكان للأصوات النسائية صداها الذي يسمع، وذلك من خلال تنظيم مسيرات نسوية رافضة للانتهاكات التي تقع على عاتق النساء والاعتقالات التي طالت الكثيرات، ولكن للأسف لا يسمع صدى أو رد فعل لكل ذلك، وهذا ما أوضحه عثمان البصري عند سؤالنا له عن أي شكل من أشكال ردود الفعل للجهات المعنية بعد عدة مسيرات نسوية نظمت في الأيام القليلة الماضية، أوضح أنه لا توجد استجابة لوقف العنف ضد المرأة بعد المواكب النسوية، بل العكس، وذلك على حد تعبيره، وقال إن هذا العنف ما هو إلا وسيلة لمنعها من الخروج في المواكب للتعبير عن حقها.

وختم حديثه بأن التواصل ما زال قائماً بين محامي الطوارئ مع الثائرات والمعتقلات لأن بعض البلاغات ما زالت قيد التنفيذ وسوف يتم تحويلها إلى المحكمة، وأن مشاركة النساء لم تتأثر، بل زاد الحراك الثوري بها.

لا لقهر النساء

وفي حوار آخر لنا مع تهاني عباس سكرتير مبادرة لا لقهر النساء التي سألناها عن رأيهم فيما حدث للثائرات في مليونية الثلاثين من يونيو الماضي، فصرحت بالقول إن ما حدث في يوم الثلاثين من عنف مصاحب للمليونية يوضح أمراً مهماً جداً، وهو أن الانقلاب يستهدف النساء بشكل كبير والشابات، وعبرت أنه من غير الممكن للسلطات أن تعتقل هذا الكم من النساء برغم العنف والبطش الذي شوهد، وبرغم ذلك تم اعتقالهم. وأضافت: “نحن في مبادرة لا لقهر النساء أصدرنا بياناً نرفض من خلاله هذا الأمر، ونحن في الأصل نرفض تماماً بشكل ليس فيه لبس ولا غموض اعتقال الثائرات ونراه في إطار القمع والتخويف والإرهاب وتسبيط لدور النساء في المشاركة في المجال العام”. وأشارت إلى أن ما يحدث هو لإضعاف روح المشاركة في النساء والشابات، وأن يكونوا جزءاً من الحياة السياسية وحرمانهم حق التظاهر، وكل ذلك لأن صوت النساء أصبح واضحاً في التظاهرات بشكل كبير جداً شهده العالم أجمع “مما بين أننا لسنا بتابعين، فنحن أساسيون في الثورة وفي التغير وفي المحافظة على روح وشرارات الثورة”.

للمرأة السودانية بصمة واضحت في الشارع، وذلك ما ظهر جلياً منذ ميلاد الحراك الثوري، مرت تلك المناضلة بالكثير من الصعوبات للتعبير عن حقها وإيصال صوتها بأعتباره جزءاً أصيلاً من البناء المجتمعي، ومنذ الـ 25 من أكتوبر الماضي، وهو تاريخ انقلاب الفريق البرهان ما قلب بعد الكثير من موازين القوة، كانت هي الصوت المحفز للشباب الثوري بأن يواصلوا مسيرة النضال في سبيل الكرامة والمساواة.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.