آخر الأخبار

مناصب الصحف الورقية.. حرب خفية وهمينة ذكورية

رجاء نمر أكدت أن هناك سيطرة ذكورية في المجال الصحفي وحرباً خفية غير معروفة

 

الخرطوم – هديل عماد الدين

تشكل المؤسسات الصحفية العمود الفقري بالنسبة للوعي في المجتمع، ما شكل خارطة طريق للذين يسعون للسير في هذا المجال الذي يفترض أن يكون السلطة الرابعة. الملفت للأمر أن معظم المنضمين لهذه المؤسسات هم من النساء اللاتي وضعن بصمة واضحة بأقلامهن في سبيل التعبير عن آرائهن وإيصال أصواتهن.

للمرأة في السودان تاريخ بطولي ونضالي، حيث لعبت أدواراً مهمة، من خلال مشاركتها في جوانب العمل المختلفة سياسياً واجتماعياً وثقافياً، استطاعت من خلالها أن تثبت جدارتها في كل المجالات العلمية والعملية والقيادية كذلك، وأنها قادرة على أن تكون أماً ومربية وعاملة ورائدة أيضاً.

بالحديث عن العمل كانت للمرأة السودانية بصمتها المميزة في مجال الصحافة والإعلام، خصوصاً الصحافة الورقية، تلك التي يجب أن تعبر عن الواقع المعاش بكل حيادية وتعكس الصورة الأشمل لمختلف ضروب الحياة الإنسانية، سواء أكان ذلك في السياسة أو الاقتصاد والحياة الاجتماعية، لذلك كان لابد للمرأة أن تكون جزءاً أصيلاً من هذه المنظومة.

أقلام مؤثرة

للصحافة السودانية تاريخ مشرف من خلال نماذج نسائية سطرت أقلامها واقع الحال المعاش بدرجة عالية من الكفاءات، لا يمكن أن تكون أقل من زملائها من الرجال في ذات المهنة مثل الصحفية نعمة الباقر في CNN والتي أظهرت شكلاً مختلفاً للصحافة من خلال مهارتها الكبيرة في عرض الحقائق بشكل أكثر دقة وتفصيلاً، كذلك أنجبت الصحافة السودانية الكثير من الصحفيات المؤثرات في المجال كآمال عباس التي اعتبرت أول صحفية سودانية تقلدت منصب رئيس تحرير صحيفة سياسية (الرأي الآخر عام 1999 وهي صحيفة يومية سياسية)، فتحت بعدها الطريق لتجارب قيادة المرأة في الصحف المحلية، كان قلمها واضحاً ومؤثراً في الجوانب السياسية والاجتماعية المختلفة، كذلك مديحة عبدالله التي تقلدت رئاسة تحرير صحيفة الميدان وغيرهن من الصحفيات اللاتي قدن ركب التغيير في محاولة لإثبات جدارتهن في مجال يمكن أن يوصف بأنه ذكوري في المقام الأول.

صوت

في حديث لنا مع الصحفية درة قمبو حول أوضاع الصحفيات في المؤسسات الصحفية خصوصاً المكتوبة منها التي عبرت بالقول “إن الصحف السودانية تعتمد في طواقمها بشكل كبير على الصحفيات، وتقول إن الإحصائيات الموجودة بالنسبة للصحفيات في الأجسام المخصصة كانت تشير إلى أن أعدادهن في الصحف أكبر من عدد الصحفيين، لكن أوضاعهن فيها لا تتناسب أبداً مع وجودهن كقوة عاملة حتى كفاءة، وإن وجودهن في الصحف يكون في مستويات دنيا بمعنى أن قليلات جداً منهن في وضع رئيسات أقسام، ناهيك عن أن يكن رئيسات تحرير”. لم يكن هناك أكثر من رئيستي تحرير في الصحف، وذلك في أفضل الأحوال، على حد تعبيرها، كما ذكرت أمثلة لصحفيات اعتلين مناصب كسمية سيد والصحفية رقية الزاكي رئيسة تحرير لجريدة الحراك. أضافت بالقول إن وجود الصحفيات داخل المؤسسات الصحفية لا يتناسب مع عددهن من حيث المركز ولا العدد ولا الأجور أيضاً، وإن الصحف تستعين بهن كقوة عاملة (أقرب للعاملات) على حد تعبيرها، وليس كصحفيات مهنيات. وأرجعت ذلك لأسباب أسمتها بالهيمنة الذكورية على كل مجالات الحياة، كما تقول، بمعنى فكرة قبول العنصر الرجالي بأن تكون رئيسة القسم امرأة في ذلك صعوبات يتم التعامل فيها، حتى وإن كان ذلك بشكل غير مباشر بالرفض، ولكن السلوك العملي يعكس غير ذلك بأنها غير مقبولة ويتم الاستخفاف بها.

رأي معاكس

كان للصحفية هاجر سليمان رأي آخر في ما يخص تمكينهن في المؤسسات الصحفية، حيث ترى أن هناك عدالة داخل المؤسسات الصحفية من حيث التوظيف. وتقول إن النساء هن اللاتي يرفضن المناصب العليا كرئيسات ومديرات تحرير، وذلك لطبيعة ضغط الوظيفة والعمل حتى ساعات متأخرة ما لا يتناسب مع بعضهن، إلا أنها أقرت بالوضع العام السيء من حيث ضعف المرتبات، وأن أبسط المعينات التي تساعد على العمل غير متوفرة، وأن هناك معاناة كبيرة في الحصول على المعلومات تواجهها بعض الصحفيات من قبل الجهات المعنية.

أرجعت كل ذلك إلى قلة المتابعة من قبل المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الذي يجب أن يكون دوره المتابعة وتوفير الأوضاع المثلى للصحفيات داخل المؤسسات الصحفية ووضع سقف للمرتبات يتناسب مع احتياجاتهن.

وتضيف “إلا أن الصحف الورقية تميل إلى تعيين النساء أكثر من الرجال، وذلك لما لديهن من قابلية للعمل أكثر بكثير من الرجال، إلا أن مرتباتهن أقل مقارنة بالرجال”.

بينما تقول درة قمبو إن الصحفيات لا يتمتعن بحقوقهن، حتى وصل الأمر بأن تكون للمتزوجة منهن نظرة مختلفة داخل المؤسسة الواحدة، حتى وإن كانت ذات مهارة عالية من حيث الأداء الوظيفي، إلا أن حقوقها تتراجع لمجرد أنها متزوجة ويوكل إليها مهام أقل من المستوى المطلوب، بمعنى لا تتناسب مع مهاراتها، وهذا ما اتفقت فيه معها الصحفية ذكرى محي الدين التي قالت في حديث لنا معها إن أوضاع الصحفيات تكاد تكون مزرية، وإن المناصب داخل المؤسسة الصحفية خصوصاً في ما يخص الصحفيات، قائمة على العلاقات الاجتماعية في المقام الأول، وإن الصحفيات المتزوجات على وجه الخصوص يوكل لهن مهام أقل من ما يمكن تقديمه لمجرد أنهن متزوجات أو مربيات، ظناً من رؤساء التحرير أن مجرد فكرة أنها صحفية متزوجة فهذا يعني عدم قدرتها على أداء واجباتها الوظيفية كما كانت سابقاً أو أقل من مثيلاتها من غير المتزوجات.

لا مبالاة أم تقبل وضع؟  

تقول ذكرى محي الدين إنه وبرغم إدراك الصحفيات النساء بسوء أوضاعهن إلا أنهن لا يعبرن عن هذه الحقوق، ولا يطالبن بها بالشكل الكافي، أي أنهن استسلمن للوضع الحالي، مما يجعل من الأمر وكأنه حقوق مهدرة أو غير مكتسبة.

وهذا ما اتفقت فيه أيضاً درة قمبو التي عبرت بقولها “يجب ألا ننكر أن هناك إشكاليات تعود لطبيعة الصحفيات أنفسهن في أنهن لا يتقدمن للمواقع القيادية في الكيانات المهنية، وإن بعضهن لا يملكن الطموح داخل الصحف بأنهن لسن متطلعات للمناصب المستحقة لهن بحكم دورهن وأدراهن وخبراتهن”.

إحصائية

تقول الصحفية رجاء نمر إن عدد الصحفيات العاملات الآن في الصحف تراجع بشكل كبير، قد لا يتعدى عددهن المئة صحفية، حسب تقديرها. وأرجعت ذلك إلى الوضع الاقتصادي والتدهور المريع للصحافة السودانية – على حد قولها – بالإضافة إلى تشريد عدد كبير من الصحفيين، الأمر الذي جعل بعضاً منهم يتجه لشغل الوظائف العادية، وامتهن آخرون المهن الحرة، مثل التجارة، مشيرة إلى أن بعض الصحفيات اتجهن إلى مجال التصميم والتجارة النسائية وفي مجالات أخرى لم تكن في حسبانهن في دلالة إلى سوء الوضع.

وأوضحت نمر أن الغالبية العظمى من الصحفيات هن من اللاتي يعملن في قسم القضايا والحوادث وتغطية أخبار المحاكم بالإضافة إلى أقسام التحقيقات وغيرها، وتضيف أنه وبرغم ذلك ما زال الرجل هو سيد الموقف في شغل المناصب العليا في الصحف.

وتؤكد أن الأوضاع العامة للصحفيات داخل الصحف كما وصفتها بأنها مزرية ومأساوية ومحزنة على حد تعبيرها، وتقول إنهن يتعرضن لظلم واضح وهضم حقوقهن.

أجر مستحق

اتفقت أغلب الصحفيات اللاتي تحَدثنا معهن أن الأوضاع المالية في الصحف متدنية بشكل عام ما أثر في الوضع الاقتصادي للصحفيين وليس الصحفيات فقط على وجه الخصوص، مما يعني أن مجال الصحافة في السودان أصبح مجالاً طارداً لغالبية المنتسبين له.

تقول نمر إن مرتبات الصحفيات قد تصل إلى 800 جنيه سوداني وتدرج إلى 3000 و 8000 في إشارة إلى ضعفها مقارنة بالوضع الاقتصادي العام المتدهور.

وأضافت “إننا بحاجة إلى دعم وتفعيل القوانين المتعلقة بقانون العمل”. وتقول إن حجم التمكين للنساء داخل المؤسسات الصحفية يكاد يكون معدوماً، عدا المسؤولات عن قسم القضايا والحوادث. وأرجعت ذلك نسبة إلى زيادة صوت الإعلام الأمني في الصحف وأصبح ذا مقروئية، على حد قولها.

وعند سؤالنا لها عن السبب في قلة رئيسات ومديرات التحرير في الصحف؟ أوضحت أن السبب غير معروف بالنسبة إليها.

ومن خلال حديثها عبرت أن هناك من يقول إن السبب في عدم تمكين الصحفيات في مناصب عليا داخل الصحف يعود إلى ظروفها الحياتية الشخصية وعدم مقدرتها على الصمود وتحمل الأعباء الوظيفية المترتبة عليها كتأخر الزمن والضغط الزائد وغيرها من الأمور التي تجعل منها غير مؤهلة لشغل تلك المناصب، فتقول إن هذه كلها أسباب واهية، على حد تعبيرها.

واتفقت في حديثها مع الصحفية درة قمبو في أن هناك سيطرة ذكورية في المجال الصحفي، بل ورأت أن في ذلك حرباً خفية غير معروفة، وقصد لهضم حقوق الصحفيات في المجال برغم وجود صحفيات برزن وتميزن في المجال.

الطريق إلى النقابة

تقول درة قمبو “بخصوص حجم التمكين للصحفيات إنهن لا يتمتعن بنسبة تمثيل كبير حتى في الكيانات النقابية والمهنية السابقة، حيث أنهن لم يعتلين من قبل منصب رئيس اتحاد أو أمين عام للاتحاد أو مسؤول شؤون خاريجة داخل الاتحاد وغيرها، ويوضعن دائماً في المناصب الضعيفة التي تحتاج إلى مهارات أقل”.

“حتى هذه المناصب التي تتاح لهن في تلك الأوقات تكون وفقاً للولاء الحزبي”، هكذا عبرت درة قمبو في إشارة إلى المناصب التي حصل عليها الصحفيات في وقت من الأوقات، مما خلق محاولات لصناعة أجسام صحفية نسوية لكنها فشلت في أن تؤدي الأدوار المطلوبة.

وعند سؤالنا لها عن نقابة الصحفيين المرتقبة قالت إنها سانحة عظيمة للصحفيات أن يقدمن فيها وجوهاً تنتزع حقوقهن، وتشارك في معركة تأسيس نقابة بعد مرور 33 عاماً من غياب وجود نقابة للصحفيين، فهي فرصتهن لتقديم لائحة كاملة مستقلة، وإذا لم يستطعن ذلك، فيمكنهن التحالف مع لوائح أخرى مؤمنة بدور النساء وبحقهن.

وختمت حديثها بأنها طرف في نشاط لتنظيم مثل هذا الأمر في الانتخابات. وأضافت أنه لابد أن يكون للصحفيات وجود حقيقي وبمواصفات نوعية وكمية.

وعلقت أن لائحة النقابة لم يكن فيها تبني لفكرة (الكوتة) مع أنها تعتبر نقابة تأسيسية ومن حق الجمعية العمومية أن تقر هذا الأمر، ثم يمكن بعد ذلك أن تنتقد هذا القرار لاحقاً، وأن من المكرمة التي كان يجب أن تقوم بها الجمعية العمومية الأخيرة، التي كانت ممهدة للانتخابات أن تقر بنسبة (كوتة) للصحفيات حتى وإن كان ذلك بشكل مؤقت لأن الجسم النسوي في السودان بشكل عام مهيض وضعيف ومحدود على حد قولها في كل المجالات، فرأت أنه كان يمكن أن تكون للصحفيين قصب السبق ويؤسسوا لهذا الأمر، ويمكن إلغاؤه لاحقاً، حينما يشتد عودهن ويتقوين لذلك كان جدير بالجمعية أن تقوم بهذا العمل.

 

 

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.