آخر الأخبار

 امرأة الريح الأحمر

هديل عماد الدين – الخرطوم

“بوجه شاحب وجسم يظهر عليه الإعياء، مع أعراض تكاد توصف بأنها لمرض الملاريا، وارتفاع شديد لدرجة الحرارة، يكاد جسمها لا يقوى على تحمله، وبكاء شديد ونواح لا نهاية له، في لحظة غير متوقعة، وسرعان ما تتحول كل تلك الدموع إلى ضحكات عالية تثير دهشة الحاضرين من ذويها”.

هكذا بدا شكل نوال يونس يعقوب عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، حسبما ما وصفت نفسها.. تلك اللحظة الغريبة التي حولت مجرى حياتها، عندها أدركت أنها شخص مختلف عن غيرها، فهي نوال ذات الريح الأحمر.

الريح الأحمر

“الريح الأحمر” أو ما يعرف بالعامية السودانية (الظار)، هو نوع من أنواع المس الذي يجعل المصاب به يعاني الكثير من الأشياء سواء أكان على نطاقه الشخصي أو على نطاق اجتماعي.

اختلف الكثيرون حول ماهيته وما بين مؤيد ومعارض له من المصدقين والمكذبين به.

لحظة إدراك

تقول نوال إن اكتشافها للظار كان في سن صغير، حيث ظهرت عليها أعراض مرض شديد ظنًا منها أنها الملاريا ما بين حمى شديدة وإرهاق لا متناهٍ، إلا أنها أدركت أنه شيء مختلف عندما تحولت تلك الأعراض من بكاء إلى ضحك شديد أثار استغرابها.

“أمي ساقتني ودتني لي شيخ من الهوسا، قام شافني وقال ليها بنتك دي عندها الريح الأحمر، يعني عندها (جماعة)”.

منذ ذلك الحين قالت إنها أصبحت ترى الموتى وأشخاص في أماكن مختلفة كالبحر وغيره، حتى تملكها الخوف الشديد. استمر كل ذلك مدة تصل إلى عامين من المرض، مما دعاها للذهاب للشيوخ حتى أشار إليها أحدهم أن تقوم بعمل حفلة (الظار).

التجهيز

“مشينا اشترينا الحاجات، (تيس أسود – ديك رومي – جوز حمام – دجاجة حمراء)، هكذا وصفت نوال مستلزمات الحفل المنتظر، والتي أخذت وكأنها (شيلة عروس).

“قطعوا لي اللبس الأحمر، عندي أزرق بندا وعبد القادر الجيلاني وبشير لومي وعندي اللولية (هي مسميات سادة الظار) – على حسب اعتقادهم – يجري نداء اسمائهم واحدًا تلو الآخر، ولكل واحد منهم نغمة خاصة في الدلوكة ورقصة خاصة وملابس خاصة يرتديها المؤدون)”.

و(الظار) هو الاسم الذي يطلق على الحفل الذي يقام بغرض تهدئة الأرواح ويعرف بعدة أسماء، هي: الظار والدستور والريح الأحمر، والشخص الممسوس.

هذه الحفلات تكون منظمة بشكل ملفت، ولها أسسها ومعتقداتها من قبل معتنقي فكرتها، حيث أن عقاب المخالفين لها في اعتقادهم سيأتيهم به الريح على شكل مرض لا برء منه، أو سلسلة من أحداث عنوانها سوء الطالع، أو الموت أحيانًا.

تحسن وانتقال

ذكرت نوال أنه وبعد الانتهاء من الحفل الذي أقيم لها، شعرت بتحسن كبير وكأنها ولدت من جديد، على حد تعبيرها .

“ربنا فتحها علي وبقيت أشتغل شغل الريحة (بائعة عطور) ببيع خُمرة ضفرة وخُمرة محلب وخُمرة مسك”. وأضافت أن رمي الودع أصبح عندها في أيام محددة كالاثنين والأربع وأحيانًا الثلاثاء.

إقبال

تقول نوال إنها أصبح لديها الكثير من الزبائن من النساء واللاتي يطلبنها بشكل شخصي ومنهن من يأتين إليها، بغرض كشف المستور والتعرف على مستقبلهن ومنهن من يأتين لحل مشاكلهن.

تقول إنها تستطيع أن ترى حتى أسماء الأشخاص؛ مما جعلها تخاف من نفسها في بعض الأحيان، تجلب المال الضائع وترجع الحبيب وتحكي ما ترى عينها من أخبار سعيدة، إلا أنها لا تقول كل ما تراه عينها، فإن كانت أخبار محزنة تخص من تقرأ لها، من أخبار الموت أو المرض، فهي لا تذكرها وتكتفي بالدعاء بالشفاء لهم لا غير، حتى لا تؤلم ذويهم.

أساطير تاريخية

الظار هو واحد من العادات السودانية القديمة التي لا تزال حتى الآن موجودة، ولكن بشكل أقل من الماضي، حيث كان نوعًا من العلاج النفسي في العادات القديمة، تم ابتكاره ليظهر في شكل طقس مرن يستطيع التأقلم مع التطورات التاريخية والاجتماعية.

بياض

أوضحت نوال أن هذه الشعبية التي تحظى بها من قبل زبوناتها واللاتي يكن ما بين مصدقات ومكذبات في بادئ الأمر إلا أنهن يسعدن عندما يسمعن حديثها، ويضعن لها ما يسمى بالبياض (وهو قدر من المال يوضع للعرافة حتى تقرأ الطالع لهن)، مضيفة “مرات بلقى لي 3,000 أو 4,000 (جنيه سوداني) وأحيانًا 5 دولارات ومرات 10 دولارات و 10 ريالات وروبيات”.

برغم اختلاف العملات وحجمها إلا أنها تختلف كلٌ على حسب قدرته..

كما تقول إنها تستطيع أن ترى الطالع للحاضرات من النساء وكذلك الغائبات منهن إلا أنها لا تستطيع أن ترى الرجال، إلا في حالة حضورهم الجلسة أو وضع بياض خاص بهم.

ترنح مجتمعي

ما بين مؤيد ومعارض لهذه الفكرة لا تزال موجودة حتى الآن في واقعنا المعاش، مع تزايد الضغوطات الاجتماعية والنفسية وتدهور الوضع الاقتصادي، يلجأ الكثيرون لهذه الحلول على أمل أن يجدوا فيها بصيص أمل يساعدهم لمواصلة المسير.

آراء اجتماعية ودينية مختلفة تواجه هذه الشريحة من المصدقين بكل ذلك، وأن حلم النجاح والثروة والسعادة والزواج أصبح منفذًا للكثيرات ممن يرغبن به من خلال ما يعرف بـ(العرافة)، فهل هي شخصية لها مهاراتها في جذب الانتباه وقراءة الشخصيات، يظل السؤال قائمًا هل هو علم فراسة متقن أم دجل وتكهنات فرضية؟

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.