آخر الأخبار

الدلالية.. مهنة تراثية معاصرة

 الخرطوم – هديل عماد الدين 

منذ نعومة أظافرنا ونحن نرى تلك المرأة البشوشة ذات الملامح المريحة، مع حقيبتها كبيرة الحجم التي تحمل مختلف الأغراض من ملابس ومستلزمات نسائية ورجالية، وبخفة دم وبراعة في الحديث، في محاولة منها لإقناع أصحاب الدار بشراء بضاعتها.. تلك الصورة المذهلة عن تلك الشخصية في أذهاننا، ظلت محفورة إلى الآن وكأنها شخصية خيالية مؤثرة.

هذه الشخصية التي وُجدت في كل حي من الأحياء السكنية منذ زمن، صارت ثقافة وعادة تم توارثها.

هذه المرأة بذات التفاصيل الجميلة، التي صارت تعرف اليوم في ثقافتنا السودانية  بـ (الدلالية)، وهي التي تقوم ببيع كل ما يحتاجة المنزل السوداني من مستلزمات عامة وشخصية، تقدم هذه الخدمات بأسعار تتناسب مع الوضع الاقتصادي، وعلى دفعات محددة لتلبي احتياجات زبائنها كٌلً على حسب مقدرته .

هكذا أنا

مي حسن أحمد سليمان هي إحدى السيدات اللاتي يعملن في هذا المجال، بدأت تجارتها بشيء بسيط كغيرها، وتوسعت بعد ذلك، لتجعل من تجارتها مصدراً يغطي احتياجها.

تقول مي إنها بدأت في مدة جائحة كورونا، حيث كانت تجلب المستلزمات البسيطة كملابس الأطفال، ثم توسع الأمر حتى يشمل المستلزمات النسائية من الملابس وغيرها، ولم تنسَ شريحة الشباب والمستلزمات الرجالية من ملابس كذلك.

الفيها النصيب

بدأت مي مشروعها برأس مال قليل يغطي مستلزمات بيعها الأساسية على حسب طلب زبائنها، حيث يتم الدفع وفق مبدء (تقسيط المبلغ) وعلى حسب المقدرة، وتقول ” بعض الناس يدفعوا ليك (كاش)، وبعضهم يقولوا ليك نص الشهر، وبعضهم الناس الشغالين يومياً بدوك نهاية الأسبوع”، كما أضافت أنها تصبر على الزبائن، لأن ذلك يجعلها تكسب زبائن دائمين.

ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة كان لابد من وجود حلول بديلة، تتناسب مع كافة أطياف المجتمع، وتلبي احتياجاتهم المعيشية المختلفة، فكانت هذه المهنة، هي المنقذ لهذه الأزمات في تلك الفترة وحتى الآن.

عثرات

لكل رحلة تجارية جديدة الكثير من العقبات والمعوقات، التي تقف كعثرات صغيرة في طريق كل صاحب عمل، ولكن مي تقول إنها لم تواجه عقبات، وذلك يرجع إلى طبيعة تعاملها الجميل مع زبائنها، على حد تعبيرها، ويرجع ذلك إلى العلاقة المبنية على التقدير والصبر في التجارة بينها وبين من تتعامل معهم.

حيث بدأت هذه التجارة بثقة من قبل بعض الأشخاص الذين قاموا بمدها بالبضاعة التي تحتاجها، حتى اشتد عودها وصارت قادرة على سداد مستحقاتها في فترة وجيزة، وصار التعامل مع التجار الأكبر بالنسبة لها أكثر سهولة ويسر من خلال الأخذ والدفع مباشرة.

سعر السوق

أوضحت مي أن أسعار السوق في ترنح ما بين الزيادة والنقصان، وأن في هذه المدة زادت أسعار الملابس النسائية بالإضافة إلى بعض المستلزمات المنزلية كـ (الملاءات).

كما تقول إنها تكون واضحة مع الزبائن بشأن الأسعار، بين البيع من السوق بالإضافة إلى عمولتها التي تضعها حتى تصل معهم إلى اتفاق يرضي الطرفين حتى لا تقع عليها خسائر كبيرة في عملية البيعة.

تطور

مع تطور المجتمع وزيادة رغباته المتسارعة، كان لابد من وجود ما يواكب هذا التسارع، حيث ظهر ما يعرف بالتجارة الإلكترونية، التي صارت جزءاً مهماً من حياة الكثيرين، تجمع ما بين تناسب الأسعار مقارنة بالسوق والمحلي وسرعة تقديم الخدمات، ما أضاف ميزة جديدة، وهي التوصيل المنزلي، ما جذب الكثيرين إليها باعتبارها خدمة أكثر راحة. وهذا ما جعل منها شبيهة بما كان يفعلنه (الدلاليات) من فترة طويلة وحتى الآن.

هذه المهنة التي صمدت مع تقلبات العصر، وبرغم تطورها، لا تزال نساؤها لهن بصمتهن المميزة والباقية، منهن من تطورن وتحولن إلى العالم الافتراضي ومنهن ما أبقين على هذه المهنة بذات رونقها.

أمنيات معلقة

“أتمنى يكون عندي (دكان) خاص بي وأستطيع تأسيسه، بدل أمشي للناس، الناس تجيني في دكاني وتشتري”، هكذا ختمت مي حديثها مع أمنيات معلقة بتحقيق هذا الحلم الواعد بالغد الأجمل، حتى تتحول تلك الحقيبة الكبيرة إلى مكان شاسع يلجأ إليه الناس لشراء حاجياتهم.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.