آخر الأخبار

متعلمات ولكن عاطلات عن العمل.. أين أنا ؟ وماذا أكون ؟

 

هديل عماد الدين _ الخرطوم

يكون الواقع أكثر قساوة على بعض النساء والفتيات اللاتي لا يستطعن الحصول على فرصة للعمل، برغم درجاتهن وشهاداتهن التي تؤهلهن لذلك، وهنا تكمن المشكلة.

هناك العديد من الأسباب التي تساعد في ارتفاع معدلات البطالة عند النساء في العالم العربي بشكل عام وفي السودان بشكل خاص، حيث تمثل المرأة العمود الفقري الذي تستند عليه المجتمعات.

عند الحديث عن النساء في السودان والمجتمعات المحلية، نجد أن هناك تزايدًا واضحًا في نسبة تعليم النساء والفتيات عن السابق، هذا ما أدى إلى توفير مساحة لهن للتعبير عن طموحاتهن بالشكل الذي يجعل منهن عوامل مؤثرة على الحراك المجتمعي بشكل أكثر فاعلية، إلا أنه وبرغم ذلك ما زالت مظاهر تحقيق المساواة بين الجنسين في جانب العمل تزداد سوء، برغم وجود بوادر تحسن إلا أنها ضعيفة.

إحصاءات

تقول تقارير الأمم المتحدة الصادرة هذا العام إن من المتوقع أن تنخفض مشاركة المرأة في سوق العمل هذا العام إلى 50.8 في المائة، مقارنة بـ 51.8 في المائة في عام 2021.

وبحسب منظمة العمل الدولية، فإن نسبة التعليم في صفوف المرأة في العالم العربي ترتفع إلا أن فرص حصولها على وظيفة لائقة صعبة جداً.

بحسب تقرير “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2022” الصادر عن البنك الدولي، إن نحو 2.4 مليار امرأة في سن العمل لا تتاح لهن فرص اقتصادية متساوية، ويضع 178 بلدا حواجز قانونية تحول دون مشاركتهن الاقتصادية الكاملة. وفي 86 بلدا، يوجد شكل من أشكال القيود على عمل المرأة، بالإضافة إلى ان هناك 95 بلداً لا يكفل للنساء المساواة في الأجر للعمل المتساوي القيمة.

وقفات

وفق مقال نشر عام 2019 في صحيفة (الشرق الأوسط)، جاء فيه تقرير وزارة العمل، يقول إن نسبة البطالة بين الفتيان بلغت نحو 34 في المائة، وبين الفتيات 45 في المائة، وبين حملة الشهادات الجامعية 25 في المائة. ويعد القانونيون والزراعيون أكبر شريحة من الخريجين العاطلين عن العمل وفقاً لبيانات وزارة التعليم العالي السودانية.

إلا أن هناك الكثير من فرص العمل التي تتاح بشكل سنوي، من خلال الجهات المعنية في مختلف المجالات، إلا أنها لا تتناسب مع الكم الهائل من الخريجين كل عام، ما يوسع دائرة الحاجة وضيق الفرصة المتاحة في سوق العمل.

برغم ذلك تعاني مؤسسات الدولة بشكل كبير من عدم توفر قاعدة بيانات محدثه بخصوص هذا الأمر، فبحسب تصريح لمحمد أحمد قلمابي المفتش الأول في مكتب الإعلام والعلاقات العامة بوزارة العمل ، والذي يقول إنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول سوق العمل بشكل عام سواء كان ذلك للحاصلين على دراسات عليا أو غيرها من الجنسين ، وإن آخر مسح تم إجراؤه عام 2015، أرجع ذلك إلى عدم تخصيص تمويل لازم ضمن الموازنة السنوية لمشروعات سوق العمل. وأوضح أن هناك بعض المحاولات التي قد بدأت في الفترة السابقة إلا أنها توقفت الآن.

متوسط

استناداً على بحث إحصائي أجراه (سلا نيوز) على عينة من المختصين وحاصلي الدرجات العليا من النساء بلغ عددها 57 عينة، فإن نسبة النساء العاطلات عن العمل من حاملات درجة الماجستير بلغن 57.9%، بينما وصلت نسبة النساء الحاصلات على درجة الدكتوراه بلغن 12.3% بينما مثلت النساء واللاتي لديهن شهادة بكلاريوس 28.1%، ما يعني أن غالبية النساء العاطلات عن العمل من حملت شهادات الماجستير، وتتراوح أعمارهن من 20 إلى 40 عاماً.

والملفت في الأمر أن نتائج التحليل أثبتت أن غالبية النساء الحاصلات على شهادات عليا، ولم يتمكن من الحصول على عمل، خصوصاً في مجال علوم الفيزياء والكيمياء ومجال الإعلام، ما يطرح العديد من التساؤلات عن الأسباب وراء هذا الأمر.

إن غالبية النساء اللاتي خضعن لهذا التحليل، يقلن إن السبب الأساسي وراء ذلك هي الوساطة، بالإضافة إلى عدم توفر فرص عمل مناسبة توأم شهاداتهن وقدراتهن.

وقفة

من خلال الدراسة، ثبت أن الغالبية من النساء تتراوح سنوات خبرتهن من عامين إلى 10 أعوام، مما يعني أنهن من الخبرات الحديثة في مجالاتهن، برغم ذلك لم يتمكن من الحصول على فرص عمل لائقة.

57.9% من المشاركات كان لديهن خبرة عمل سابقة، و 22.8% اضطررن إلى العمل خارج مجال تخصصهن، إلا أنهن لم يواصلن فيها لأسباب تنوعت واختلفت باختلاف تجاربهن وتخصصاتهن، ولكن كان الرأي الغالب أنهن عملن في مجالات لا تتناسب مع مقدراتهن وذلك لعدم توفر الفرصة المناسبة، بالإضافة إلى ضعف الأجور مما لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي الحالي.

واقع معاش

نحن الآن في عام 2022 وما زال الكثير من النساء يعانين من التمييز على أساس الجنس في مجال العمل، ويتعرضن للكثير من الرفض لمجرد ذلك. أيعقل أن يتم تحديد مستقبل المرأة والحد من إتاحة الفرصة المناسبة لها لمجرد أنها امرأة ولا تصلح للعمل في المجال المعين برغم كفاءتها؟!

وهذا ما عاشته ( أ. م) الحاصلة على درجة الماجستير في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، وبكلاريوس الشرف في مجال الجيولوجيا والتعدين، وهي إحدى الخريجات حديثاً، ما دفعها للبحث عن فرص عمل في مجالها إلا أنها واجهت العديد من المصاعب لأسباب كان أهمها، تنافسية المجال في سوق العمل، بالإضافة إلى عامل الوساطة والذي أثر في الحد من حصولها على فرصة مناسبة على حد قولها، والأهم من ذلك كله أنها عانت بشكل كبير من التمييز على أساس الجنس، (لأنك بت والمجال دا ما حق بنات) (إمكانياتك أعلى من الوظيفة المتوفرة ما حنقدر نوظفك)، كل هذه الردود التي ظلت (أ. م) تسمعها على مدى طويل في رحلتها للبحث عن وظيفة، ما دعاها لعمل الكثير من الدورات التدريبية في مجالات مختلفة حتى تستطيع الحصول على فرص في مجالات مختلفة، إلا أن كل ذلك لم يؤد الغرض.

الطيور المهاجرة

كل تلك العوامل وأكثر دفعت الكثير من النساء للبحث عن بدائل تتناسب مع مقدراتهن وطموحهن، كان أهم تلك الحلول البحث عن طوق نجاة في بلاد وأماكن أخرى، ما جعل الهجرة سببًا أساسيًا وخيارًا أول، لكل العقول التي فشلت في تحقيق ذاتها على أرض الوطن، وهذا ما أثبتته نتائج التحليل الإحصائي الذي أجريناه، حيث أن 84.2% قلن إن لبطالة النساء دورًا كبيرًا في الهجرة خارج البلاد، وإن المرأة قادرة على أن تكون الأم والمربية والمعلمة وطبيبة المختبر ورائدة الفضاء والقيادية وصاحبة الكلمة المسموعة.

“يمكن تقليل نسبة بطالة النساء من خلال زرع قيم المساواة بين الرجل والمرأة منذ الصغر في العمل، حتى تتغير صورة المجتمع عن المرأة العاملة في السودان، وليس فقط للحاجة ولكن عمل المرأة له دور إيجابي في حياتها وفي تربية أبنائها، وفي تكوين جيل له مستقبل” هذه كانت إجابة إحدى الخاضعات للدراسة من خلال إجابة مفتوحة، عكست فيها رؤيتها عن الصورة التي يمكن أن تقل بها نسبة بطالة النساء حتى لا يتحولن إلى متعلمات، ولكن عاطلات عن العمل.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.