كتب: الجميل الفاضل
فاجأ الجنرال عوض بن عوف، الذي نصَّبَته اللجنة الأمنية للنظام الإخواني المباد، رئيسا على البلاد، في الحادي من أبريل سنة (2019)، الشعب السوداني بعد أربع وعشرين ساعة فقط من توليه الحكم، بإذاعة خطاب بثّه التلفزيون الرسمي قال فيه: “أعلن أنا رئيس المجلس العسكري الانتقالي التنازل عن هذا المنصب، واختيار من أثق في خبرته، وكفاءته، وجدارته، لهذا المنصب، وأنا على ثقة بأنّه سيصل بالسفينة التي أبحرت إلى برّ الأمان، وبناء عليه فقد اخترت بعد التفاكر، والتشاور، والتمحيص، الأخ الكريم الفريق اول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي خلفاً لي”.
منذ ذلك اليوم، بدأت مغامرة هذا الجنرال المَغمورِ حينها، والمُغرّمِ بالسلطة إلى حَّدٍ التَهورِ، بل وبأقصى ما يُمكِنْ تَصورهُ من شَبقٍ وعنفوان كما أكدت التجربة من بعد.
فقد مارس الجنرال “برهان” في غضون نحو أربعةِ أعوامٍ، شتى الأساليب لمُداراةِ ولعهِ الشديد بالسلطة ولرغبته الجامحة، في الانفراد والاستئثارِ بها.
إذ لم تنقطع بالفعل محاولات البرهان المتكررة، في التَغوَّلِ على السلطة بصورة كاملة قبل وأثناء الفترة الانتقالية السابقة، فضلا عما أبداه من حرص على استبقاء وجوده بذروة سنامها، رغم انتهاء عُهدةْ ترؤسه لمجلس السيادة الانتقالي وفق “الوثيقة الدستورية”، حرص أكده بانقلابه على شركائه المدنيين في الخامس والعشرين من أكتوبر (2012)، تاريخ تسليم منصبه لرئيس مدني، التزاما بالعهد الذي أبرمه المجلس العسكري مع المدنيين، في السابع عشر من اغسطس من العام (2019).
أما اليوم فما أشبه ليلة الجنرال برهان الذي وقع على “اتفاق اطاري” يحاول التملص عنه حاليا ببارحته تلك.
هو اتفاق ينص كذلك على خروج البرهان والجيش عن السياسة.
ولذا عندما لاحظ البرهان إلى أي مدى انخرطت “الحرية والتغيير” بجدية في مؤتمرات ترمي لتطوير هذا الاتفاق الإطاري الذي سيخرجه عن السلطة، إلى اتفاق نهائي قال البرهان بالحرف الواحد: “ناس مركزي الحرية والتغيير، ناس بضيعوا زمنهم في أمور ما بستفيدوا منها حاجة”.
وكذا عندما أعلن قائد الدعم السريع تأييده المطلق للاتفاق الإطاري نفسه قال البرهان: “ندعم الاتفاق الإطاري لأنَّ فيه بندا يهمنا، وهو دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وان هذا هو الفيصل بيننا في دعم الاتفاق الإطاري”.
المهم فالكل متغير لدى برهان، الذي لا ثابت عنده سوى ما يقربه من السلطة ويجعله في الحكم.
فالبرهان من نوع الرجال الذين يصعب فهمهم، وبالتالي تفسير مواقفهم.
بل إن لغزا كهذا ربما لا يفك مغاليقه سوى نهج اتبعه الكاتب فتحي الضو لإيجاد مقاربة فسر بها تصرفات رجل غامض آخر هو “علي عثمان محمد طه”.
انظر ماذا كتب فتحي الضو عن بطل قصته لتقارب: “تُعتبر الشخصية السيكوباتية Psychopathic في نظر علماء النفس، من أعقد أنماط الشُخوص التي حصروها خُلاصة في دراستهم سلوك النفس البشرية.
وطبقاً لتفسيراتهم نجد أن السيكوباتيين يُحِبُون السلطة حُبا جما، لأنهم يرون أنفسهم فوق القوانين، بل يتعمدون تجاوزها دون الشعور بالذنب أو مواجهة أي مشاكل نفسية جراء انتهاكاتهم تلك.
وهم أنانيون يتصرفون وفقًا لنزواتهم المنبعثة من حالاتهم المزاجية.
يفعلون ما يروق لهم في أي وقت يشاؤون، لاعتقادهم أنهم أذكى مما هم عليه في الواقع، أو أن لديهم قوة أكبر من التي يملكونها فعلياً.
كما يظنون أنهم موهوبون بصفات مميزة أكثر عن الآخرين.
ولأن الشخصيات السيكوباتية بشكل عام ليس لديها أي نوع من التوجهات الأخلاقية، لذا فهم يفعلون أي شيء يرون أنه مفيد لتقدمهم، دون اهتمام بالأذى الذي قد يقع على الآخرين.
كما نجد أن الاستجابة العاطفية للسيكوباتيين سطحية في العادة.. لا يتأثرون بشكل طبيعي بأحداث جسام كالموت أو غيره من تراجيديات الحياة، التي تسبب أذىً عميق في نفوس البشر.
لهذا فهم يتصرفون بطيش واستعلاء وتكبُر وتطاول على الآخرين، ولا يحسون بأي نوع من الندم أو تأنيب الضمير، لكنهم يستطيعون تظاهر الشعور بالذنب، إذا كان بغرض خداع شخص لكي لا يغضب.
على الرغم من أنهم لا يتقبلون النُصح أو الإرشاد أو التوعية أو التوجيه أو الاتعاظ، ولا يستفيدون من التجارب المُحيطة، ويلتفون حول خطاياهم مثل الأفاعي، ويتلاعبون بالناس كما الحواة بهدف تجنب العواقب الوخيمة.. ويُعد كل هذا غيض من فيض، وعند النفسانيين المزيد للراغبين”.
ويقول مصدر مقرب لبطل فتحي الضو: “عندما يحتدم الصراع يحلو له أن ينزوي جانبا ويدَّعي الذُّل والمسكنة.
وهو باطش إن نازعه أحد في السلطان، إذ يمكنه أن يضم غريمه بحميمة إلى صدره، بينما يغرس خِنجرا مسموما في ظهره.
كثير الإذعان للوسواس، ولهذا فهو يرتاب من أقرب الناس إليه، ولا يبوح بمكنون صدره إلا على انفراد.
يميل للتشاؤم كذريعة ينفذ بها إلى طموحاته.
يمكن أن يصرع غريمه وهو يرتدي قفازا حريريا، ولا تحرك الدماء في نفسه شيئا ولو جرت مدرارا.
طموحه ليس له حدود، ويعتقد في قرارة نفسه أنه يمكن أن يخرج من غرفة مغلقة دون مفتاح”.