د. معتز صديق الحسن يكتب:
# من المتفق عليه أن الصحافة السودانية تعاني ماديا من ضعف أجور العاملين فيها لأسباب منها قلة التوزيع والإعلانات إضافة (لليد المغلولة إلى العنق) من جل ملاكها وناشريها والتي لا تعرف ولو البعض من البسط.
# أما في باب المعاناة المعنوية فقط فهي تكابد الأمّرين من أجل أخذ حقوقها التي تمنحها لها باليمين الدساتير والقوانين لكن تأخذها منها بالشمال الحكومات بالمخالفة لكليهما وإعلان حالات الطوارئ.
# أيضا هي تعاني بما يمكن أن يطلق عليه مشكلات مادية ومعنوية في آن واحد إذ تعاني ما تعاني من قلة فرص تدريب العاملين فيها أو -بالأصح- شبه انعدامها على المستوى الداخلي ناهيك عن المستوى الخارجي.
# أما أم المعاناة للصحافة الورقية الآن تتمثل في الانتشار الكثيف للصحافة الإلكترونية والتي هي في الطريق إلى أن تحل محلها متى ما توفر لها استخدام الإنترنت بكامل الصورة التقنية الحديثة المطلوبة.
# وبالرجوع للمعاناة المالية التي تمس الصحفيين الرسميين فيها فمن باب أولى أن يعاني من يتعاونون معها مثلا كتاب مقالات الرأي وإن كانوا زملاء ويحملون القيد الصحفي وكتاباتهم تحظى بالقبول من القراء.
# فالصحافة لا تمنحهم مقابل النشر لكتاباتهم وإن استمروا معها مثلا قرابة العشر سنوات أي مبالغ مادية -قلت أو كثرت- وحجة الصحف فقرها وعوزها بل الأنكى والأمر فكثيرًا ما تمن عليهم بمنحهم التسويد لتلك المساحات.
# ومن يغلط ويطالب بتحفيزه ولو بالقليل فيمكن أن تغلظ عليه بالقول: إن الصف طويل لمن يكتبون بغرض الهواية للشهرة وذلك بمعنى إرسال رسالة إذا توقفت وذهبت فغيرك جاهز ومستعد للكتابة المجانية.
# وللأسف فالأمر لا يتوقف عند هذا الحد إذ هناك بعض الصحفيين الذين لديهم سلطات للنشر ولتحسين أوضاعهم المادية فهم يطلبون من المتعاونين خاصة الجدد منهم وفي كل مرة دفع المال حتى ينشروا لهم أولا بأول.
# إذن، فكل ما سبق يؤكد أن مكافأتنا لبعضنا البعض تسودها شيم الظلم وأكل أموال الناس بالباطل ومعها أيضا -بقصد أو بلا قصد- التبخيس لأقوالهم، وذلك بعدم منح الآخرين أدنى حقوقهم المادية وحتى المعنوية.
# مما يذكر المرء ما رواه أحد الزملاء الأساتذة والمتخصص في علم النفس أنه وفي زيارة تدريس بمركز جامعة وادي النيل بدولة قطر كتب مادة لم يستطع مقاومتها أو تجاهلها ليشيد فيها بالتنمية والتطور في تلك الدولة.
# لك أن تتخيل أن هذه الإشادة كانت قبل أكثر من (10) سنوات فيا ترى ماذا كان سيكتب فيها الآن خاصة بعد التطور الكبير الذي حدث فى تلك الدولة الشقيقة وفي فترة ما بعد كأس العالم الأخيرة 2022؟
# ومواصلة لروايته فقد صادف أن أحد طلابه يعمل بإحدى الصحف القطرية فمنحه المقال كي ينشره فيها فكانت المفاجأة أن حضر في المحاضرة القادمة أي بعد يوم واحد وأعطاه مظروفا فيه مبلغ (300) ريال قطري.
# فكان العجب منه كأستاذ لماذا يمنحه كل هذا المال وبم يستحقه؟ ليجيبه الطالب بأن هذا المبلغ مقابل أجره للمادة التي كتبها ونشرت بالصحيفة فما كان في باله ويكفيه شرفا لو وجدت حظها من النشر فقط.
# ليخبر الأستاذ أحد الزملاء الذين كانوا معه في الزيارة العلمية وصار كل منهما يوما بعد يوم يكتب مادة -وفي مختلف الموضوعات الجديرة بالنشر- وذلك طول وجودهما في قطر والذي استمر لأكثر من شهر.
# ليأتي كل منهما -وبلا تأخير- مظروف ال (300) ريال -مع كل الشكر والتقدير- وذلك بعد كتابة كل مادة ليجنيا مبلغا وصل إلى (3) آلاف ريال لكل واحد منهما والذي لا يقل عن مبلغ المأمورية بكثير.
# بينما هنا ومن يكتبون من المتعاونين وبالسنوات لا أحد يمنحهم مالًا ولو حتى ما يسدد فاتورة خدمة الإنترنت الشهرية الغالية والتي عبرها يراسلون صحيفتهم هذا إن لم يأخذوا منهم أموالا كما وضحنا سابقًا.
# وكيف تريدون لصحافتنا أن تتطور ومن يعملون فيها بصورة رسمية هم مظلومون ويسكتون عن ظلمهم وعن ظلم من يتعاون معهم لتهاجر أو تتوقف أقلام كان من الممكن أن تؤثر لو أنها وجدت التحفيز المادي وقبله المعنوي.
# إذ إنهم لا يهدونهم ولو مجرد كلمات الشكر فيا صحافتنا الورقية كل الرجاء رفقًا بالمتعاونين فإن لم تكن لديك خيول وأموال تهديها فلتسعديهم بالنطق إن لم تسعدهم بالحال. هذا والله المستعان.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
اقرأ أيضًا