آخر الأخبار

مناشدة للقائمين على الأمر في شأن الرسوم الدولارية

أجوك عوض الله جابو تكتب
تعودنا في مثل هذا التوقيت من كل عام على توجيه مناشدة لوزارة التربية والتعليم وإدارة لجنة لمتحان السودان بخصوص الرسوم المفروضة على طلاب جمهورية دولة جنوب السودان الراغبين في الجلوس لامتحان الشهادة السودانية لأن فرض رسوم الامتحان عليهم بالدولار يعني تلقائيا حرمان عدد كبير من الامتحان، فالحال يغني عن السؤال.

ولا نجد أيما غضاضة في أن نقف على الأبواب طارقين ومناشدين طمعا في حسن التقدير والمراعاة والسماحة، ولاسيما أن المسألة  تتجاوز حدود كل الاعتبارات السطحية الضيقة إلى رحاب استشعار المسؤولية الكبيرة وقوفا على قراءات أكثر عمقا، وقد تعلق الأمر ببناء الإنسان الذي كرمه الله على سائر خلقه بالعقل ولا سيما من يخاطبون في هذا الصدد هم حراس المعرفة ورعاتها وحملة الأمانة ممن تولوا مهمة بناء الأجيال وأنعم به من تكليف.

نخاطب من زوايا أوسع  وبلغة ومنطق أكبر من محدود مدلولات و ضحالة السياسة ومقاصدها.

معلوم أن التعليم من الجسور التي يأول عليها في رأب الصدع ورتق الفتق وتقريب المسافات مهما تباعدت الشقة بين الأطراف لسمو ورفعة أهدافه التي تتجاوز كل ما ضاق من حدود، ونحسب أن ما حدث من تحول سياسي كبير في السودان كفيل بترتيب البيت من الداخل وإعادة النظر في علاقات الجوار.
ها نحن ذا نعيد المنوال نفسه وعينه، ونرفع مناشدة أخرى، ولا نستطيع التكهن بأنها ستكون الأخيرة كما نأمل، كما لا يفوتنا أن نزجي أسمى آيات الشكر والعرفان لكل المجهودات السابقة التي تكللت بالتكرم والسماح لطلاب جمهورية جنوب السودان بدفع رسوم امتحان الشهادة السودانية أسوة بالطلاب السودانيين كواحدة من بواكير ثمار الحكومة المدنية في عهد رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.
لا يكاد يمر مثل هذا التوقيت من كل عام إلا تخرج قضية رسوم طلاب جمهورية جنوب السودان للسطح بنفس الشكل والمضمون الباهت، وهي قضية نحسبها مرهونة وتحكمها الأمزجة الشخصية والجشع أكثر من استنادها لأي أفق إنساني أو سياسي. ولأننا نفتقر إلى دولة المؤسسات وتتعلق قرارتنا في المقام الأول بالأشخاص مضت الحكومة المدنية المغدورة وطوت معاها ما كانت من صفحة. مع أن ما كان بشأن السماح لهم يعتبر قرارا وزاريا. ومعروف أنه لم يصدر قرار وزاري آخر في الشأن نفسه لينسخ الأول. ولكن لا مستحيل في عوالم سياسية اليوم باليوم.

ونحن إذ نمارس فعل الاستجداء الذي تفضله بعض النفوس المعلولة نجد كلمتنا هذه المرة ومن باب الحرص الشديد على ما يجمع شعبي الدولتين السودان وجنوب السودان تحمل هذه المرة بعض الرجاءات والكثير من العتاب.

أشرنا في كلمة سابقة لنا أن العلاقات بين جوبا والخرطوم الآن في أحسن حالاتها ومؤكد ليس ذلك بفضل مجهودات خارقة خاض غمارها بعض الساسة كما يروج أصحاب مدرجات “تأكل عيش” من المنتفعين أو”الكواكب”، بل مرد التوافق لإئتلاف ما تشابهت من الأرواح، فالأقطاب المتشابة في دنيا السياسة تتجاذب والمختلفة تتنافر وفقا لقانون المصلحة وما أكثر وجوه الشبه مؤخرا بين مكونات المسرح السياسي شمالا وجنوبا، ولأن لغة ونهج العسكر واحدة في كل قرية دخلوها كان ما كان من رد التحية، ولا تحسبن كل ما يلمع ذهبا. ولعل هذه العلاقات يقتصر ثمارها وامتيازاتها على الكبار فقط بعيدا عن أماني الشعبين.

وفي صمت مريب خلت فيه وسائل الإعلام السودانية من أي خبر أو تصريح بفرض مبلغ 500 دولار كرسوم جلوس أبناء جمهورية جنوب السودان لامتحان الشهادة السودانية  بينما توضع على مناضد مديري المدارس منشورات تفرض عليهم دفع المبلغ  المشار إليه 500 دولار كشرط للجلوس للامتحان. لا نكاد نجد تفسيرا لهذا التكتم طالما كان للاستثمار أوجه عدة.

أما وإن الشعبين تحت رحمة قيادة العسكر نتساءل بدهشة ما الجديد في الأمر ؟! ألا يقال إن الجنس للجنس رحمة ؟! فما بالنا نشهد هذا الجشع المفرط في الرسوم التي لا تضاهي إلاضرائب الحكم التركي الباهظة؛لماذا يصر العسكر على  إذاقتنا وبال سوء إدارتهم، أما كان الأذكى تقديم كرامات تحمد لهم
على الأقل ولو من باب قلة الحسنات أو تصحيح الصورة.

نقول قولنا هذا ونحن نعلم أن السودان يمر الآن بفترة تعد هي الأكثر حرجا في تأريخه ولكن على مستوى الإدارة والعلاقات هناك قرارات تحتاج لقراءات أشمل ورؤى أعمق في سفر علاقات الشعوب لجهة أن الحكومات وإن تطاول عهدها وقويت شوكتها فهي إلى زوال.

وهنا تجدر الإشارة للعلاقات السودانية المصرية لاسيما ما تم توقيعه بينهما من اتفاقية الحريات الأربع في أغسطس من العام 2004م، فبالرغم من تغيير الخارطة السياسية في مصر عدة مرات لم تمس روح الاتفاقية ولعل الوضع الاستثنائي الذي يحظى به طلاب السودان في مصر، وما يتمتعون به من تمييز إيجابي حتى الآن دليل قوى على الفهم العميق والوعي المتقدم بالمصالح التي تجمع الشعوب وفقا للجوامع.

بعيدا عن الأطماع والإتهان لرغبات الانتقام المريضة أو تصيد الفرص للإذلال طمعا في إظهار الندامة والحسرة والإقرار بخطل ما كان من اختيار، مؤكد المجال ليس مجالا للمقارنة لأنه لم توقع اتفاقية بين السودان وجنوب السودان في ما يخص جانب التعليم  مع إمكانية ذلك بالرغم من الجهود الذي بذله أعضاء لجنة التعليم الذي مثل وزارة التربية والتعليم العام بجوبا عام ٢٠١٤م عقب التوقيع على اتفاق التعاون المشتركة أو البرتوكولات التسعة في العام ٢٠١٢م قدر لنا حضور كواليسها بحكم عملنا حينها في إعلام الملحقية الثقافية بسفارة جوبا بالخرطوم، ولكنها لم تثمر جراء التعنت لأن وزارة التربية والتعليم، حينها كانت موبوءة بعناصر كاملة الدسم من حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقتئذن، وبالطبع لا نأمل منها أتيان ما ينفع شعب جنوب السودان إلا إذا غشاها رياح التغيير التي أحدثتها الثورة المجيدة. وحرى بآلة التغيير تكثيف جهودها لمعافاة هذا السرح المهم وانعتاقه.

ولأن الشيء بالشيء يقاس ونعتقد أن عري الصلات والاعتبارات بين السودان ودولة جنوب السودان أوثق وأشد على الأقل من ناحية الإرث والتأريخ المشترك وبأدق التعابير يمكن القول شعب واحد في بلدين. فهل يمكن التقاضي عن كل ذلك من أجل حفنة دولارات لن تحل الأزمة فضلا عن أن من شأنها زيادة الشقة بين الأشقاء؟

العلاقات بين الشعوب لا ترهن بالمصالح المجردة طالما كان الأصل هو الإنسانية التي لا تستند لمنطق الجباية المقننة.
ذهب البعض إلى أن السيد وزير المالية السوداني جبريل ابراهيم  الذي تولى عرش المالية بموجب اتفاق سلام جوبا هو الذي فرض تلك الرسوم الدولارية فإذا كانت  فحوى الرسالة شماتة بمنطق كل امرئ يحصد ما زرع؛ لا ننكر بأن جوبا هي راعية الاتفاق لكن ينشأ ناشئة الفتيان على ما كان عوده أباه. ومن شابه أباه فما ظلم. جبريل ظاهرة لا تعبر عن شخصية بقدر ما تعبر عن مدرسة أو منهج مؤصل معلوم المنبت، نعم لا نرى الإنقاذ الآن ولكن نرى أفعالها حاضرة بقوة وتتجلى في سلوكيات عدة وإن اختلفت المسميات ولكن على قول الشاعر.
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا

كلمتنا هذه لا تأتي في سياق الإملاء بما يجب فعله بقدر ما تقوم على التناصح للبعد عن الاستثمار في أزمة الجيران، أو محاسبة الشعوب بفعل ما اقترفت يد الحكومات اي كانت الجهة التي فرضت تلك الرسوم الدولارية هناك حقيقة لا يجب إغفالها بشأن علاقاتنا في ظل فرص التصحيح المواتية بدلا عن محاولات التذاكي والفهولة التي تستثني من تلك الرسوم الباهظة من يحملون كروت الأمم المتحدة من اللاجئين الجنوبيين. معلوم أن عمليات تسجيل اللاجئين واجهتها الكثير من التحديات والعقبات ما جعلها ليست باليسيرة على الكل.
ثم من الأقرب وجدانا للسودان والأدعى للتقدير بهذا المنطلق جمهورية جنوب السودان أم الأمم المتحدة؟! وهل يترجم هذا الموقف المتعسف زهد السودان في العلاقات والتعاون؟ لا نصف تلك المكاسب المأمولة بالضعيفة، ولكن نعتقد أن هذا السلوك الموغل في التلون والتحايل وهذه الازدواجية لا تتسق ومكاسب ثورة الشعب السوداني العظيم التي تخلقت في رحم الأصرار والرغبة القوية في التغيير نقول ذلك لأن الطالب الجنوبي اللاجئ المستثنى من الرسوم  الدولارية بالخرطوم  يسدد المبلغ نفسه بل بزيادة خمسين دولارا عند جلوسه لامتحان الشهادة السودانية في مصر بحيث يكون المبلغ الكلي 550 دولارا. حيث يتولى الاتحاد الأوروبي بواسطة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمصر التسديد عمن حالفهم الحظ بينما تسقط أكثر الأسماء و يحرمون من الإمتحان فهل تتجزأ الاعتبارات على هذا النحو الصادم ؟!

بدلا عن هذه الصغائر هناك استثمارات  أكبر تليق بعظمة السودان.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.