الجميل الفاضل يكتب:
بالإعلانِ رسميا عن مولد آخر نُسخةٍ من أحزابِ “الحركة الإسلامية” المُتناسلةِ، غدا.. “حركة المستقبل للإصلاح والتنمية” تعود الحَركةُ الأُمْ من جديد إلى رَجِّ زُجاجةِ ألوانها الباليةِ العتيقة، توطئةً للانخراطِ مُجددا في لعبة الأقنعة الأثيرة والمحببة لدى قادتها وكوادرها، أولئك القادة الذين لم يزهدوا يوما، في مزاولة لعبة التَبرّقُعِ والتَقّنُعِِ، مذ عُرفت جماعتهم في التاريخ ككيان حربائيٍ مُتلون، لا يستقر على رَسمٍ، أو على اسمٍ، وهيئةٍ، وحَالْ.
فقد أنفقت هذه الحركةُ “الحرباء” منذ أن أوحى شيخها لقائدها كَلمةُ سِّرها “أذهب إلى القصر رئيسا، وساذهب إلى السجن حبيساً”، غالب سنين حكمها الثلاثين، في حياكة مثل هذه البَراقعِ والأقنعةِ، مُتنوعةِ السِماتِ، ومُتعددةِ الألوان.
عملا بفقه السُترة، أو فقه الضرورة، إذ كلا الفقهين الراسخين في مُعتقدِ الجماعة، يُبيحُ بمظنة الخوف أو الحاجة، للخائف والمضطّر، اخفاءِ نواياه الحقيقية، ومداراة كافة الحقائق التي تتصل بطبيعة وجوده ونشاطهِ من بعد.
رغم ما يبدو من استحالةِ إخفاءِ ملامح الوجه الحقيقي لمثل هذا الوجود والنشاط وراء المساحيقِ و الألوان لأطولِ زمنٍ في عصرٍ كهذا.
فقد حاولَ رئيسُ هذا التنظيم “المخلوع البشير” من أولِ أيامِ حُكمه، طمس هوية نظامه الإخواني، تحت دِثارِ مؤسسة “الجيش”، بيد أن البشير نفسه لم يجد في النهاية بُدا وسبيلا للهرب من الحقيقة، التي أُضطُّرَ للاعتراف بها في اجتماع لمجلس شوري التنظيم، مُقِرا بإنتماء حِزبهِ ومن ثَّمْ نِظامه، لأرومةِ الإسلاميينَ، المُندرجةِ تحت شجرةِ النسب الإخواني، بقوله قبل أشهر قلائل من سقوطه: “نحن حزب قائم على مبادئ، ومبادئ معروفة، وما داسين دقنا، نحن حركة إسلامية كاملة الدسم، ومعروف تاريخنا.. بديناها، بديناها بشنو يا “سعاد الفاتح” ..”صمت” .. ليستطرد ضاحكا: “نحنا الوكت داك ما كنا معاكم” .. ليواصل القول: من جبهة الدستور، وجبهة الميثاق، والجبهة الإسلامية القومية، إلى أن وصلنا إلى “المؤتمر الوطني”، فبالتالي نحن حزب بتاع مبادئ، والتقينا .. “إخوان في الله”.
هو ذات “البشير” الذي كان قد وجه انتقادات حادة في وقت سابق، غير بعيد من ذلك اليوم بحق “الإخوان المسلمين” في حديث لصحيفة الاتحاد الظبيانية، قاطعا بأن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بات مُهددا لاستقرار بعض الدول العربية، مشددا على رفضه الطابع الدولي للإخوان، منوها إلى أن من حق الدول لتخاذ ما تراه مناسباً لخدمة أمنها واستقرارها بعد تنامي تأثير التنظيم الدولي للإخوان، وتدخله في شؤون تلك الدول.
أما الآن فقد بدا وكأن الحركة الإسلامية لم تيأس إلى اليوم، من جدوى لُعبتِها المُفضلة، لُعبة خَلط الأوراقِ والألوان.
إذ أن إيقاف خاصية الوقاية اللونية، الذي لا يقع بطبيعة الحال سوى في ثلاثة أحوال:
حال أن معين الألوان قد جَفّ أو نضُب، أو أن الألوان نفسها قد فقدت صلاحيتها، وجدواها، أو حال ثالث يتأسس على أن دواعي الوقاية و أسبابها قد أنتفت بزوال المخاطر التي استدعت التَبرقُعَ تحت أقنِعتها.
لكن صعود “حركة المستقبل” الإخوانية الجديدة، إلى واجهة الاحداث بالتزامن مع موجة ظهور جيوش ومليشيات مستحدثة، مثل “قوات درع السودان”، وقوات “كيان الوطن”.
في سلوك يتنافى تماما مع الإمكان في الواقع، يشير هو بالضرورة إلى أن حركة الإسلام السياسي السودانية، التي حكمت البلاد منفردة لأكثر من ثلاثة عقود، قد بات حالها الماثل، كحال “آل البوربون” الذين لم يتعلموا شيئا، ولم ينسوا بالطبع شيئا.