الخرطوم – أسامة محمد عثمان
لم تتمكن أم كلثوم من شراء احتياجاتها الأساسية لشهر رمضان هذا العام بسبب الغلاء في الأسعار.. أم كلثوم دأبت بشكل متواصل في السنوات الماضية على شراء جميع لوازم الشهر المبارك التموينية إلا أن هذا العام اكتفت بالقليل من بعض المواد الأساسية، وتركت غير الأساسية مثل عواسة (الحلو مر). وقالت أم كلثوم: “اعتدت في الأعوام السابقة أن أشتري جميع المواد التموينية قبل دخول رمضان، مثلا جوال سكر ٥٠ كيلو ، وأكثر من ٤ كيلو من اللحوم للتجفيف (شرموط) وكيلة من البليلة العدسية، إضافة إلى الكركدي والعرديب وأشياء أخرى، لكن هذا العام لم أتمكن من إلا من شراء أشياء قليلة واكتفيت بكيلو واحد فقط من (الشرموط) والقليل من الدقيق يكفي لأسبوع واحد فقط”. وأضافت أم كلثوم: “تكاليف الحلو مر هذا العام مرتفعة جدا، فلذلك لم أتمكن من العواسة كما في الأعوام السابقة”. وعزت عدم قدرتها على الشراء إلى ارتفاع الأسعار بسبب الأوضاع في السودان. وقالت: “الأسعار مولعة نار، والسبب جشع التجار وخاصة مع دخول شهر رمضان لأن الناس يشترون في رمضان بكميات كبيرة ويعتبر رمضان فرصة للربح الكبير، ولكن ننتظر أن تنخفض الأسعار لنشتري ما نبقى من لوازم”.
وتعاني الأسواق والمحال التجارية من عدم إقبال المواطنين على الشراء المستلزمات الرمضانية هذا الموسم. ويقول (آدم) صاحب طاحونة لـ (سلانيوز): “الإقبال على الطاحونة ضعيف جدا، المواطنون يأتون إلى الطاحونة ويرجعون، قليل منهم فقط من يشتري، وآخرون يبتاعون كميات قليلة لا تكفي لأكثر من ثلاثة أيام، يرون أن أسعار المحاصيل غالية”. ويضيف آدم: “ربع الملوة من الفتريتة بـ (٢٠٠٠ جنية)، وهي المكون الأساسي للعصيدة والأقل سعرا من أنواع الحبوب الأخرى، بينما وربع الملوة من العيش بـ (١٥٠٠ جنية)، وهو المكون الأساسي لمشروب الحلو مر، ورغم ذلك يرون أنها في غاية الغلاء”.
الركود لم يضرب تجار المواد التموينية فقط وإنما تعداهم إلى تجار الأواني المنزلية أيضا من قلة البيع”. ويقول (ود الزين)، وهو تاجر تجزئة: “إننا محبطون جدا من عدم الإقبال على الشراء، تجهزنا هذه المرة ورفعنا سقف توقعاتنا، ولكن النتيجة كانت عكسية”.
ويردف: “تعودنا أن نتظر موسم الصيام لكثرة إقبال السودانيين على شراء العدة لإفطار رمضان، وكنا نبيع بكميات كبيرة، ولكن هذا العام تكدست البضائع ونوشك على الخسارة بسبب عزوف المواطنين عن الشراء”. ويرى ود الزين أن ما تمر به البلاد من ظروف اقتصادية أثر في المواطن بشكل مباشر، فاصبح يبحث عن الأساسيات فقط (الزول بقى يقول عدة شنو يا مرة خلينا نجازف حق الكركدي والبليلة أول، عدة السنة الفاتت لسه ما هبشتيها)”.
ويرى خبراء ومحللون اقتصاديون أن السياسات التحريرية الأخيرة لأسعار الصرف الأجنبي هي ما جعلت الوضع بهذا السوء. وتقول الصحفية والمحللة الاقتصادية هالة حمزة: “عزوف المواطنين عن الشراء يعزى للأوضاع الاقتصادية الراهنة بسبب سياسات التحرير وتحرير سعر الصرف بشكل كامل وبلا رحمة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات ونتيجة لذلك ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية في السودان”. وتضيف: “صندوق النقد الدولى لم يف بوعوده للحكومة الانتقالية بدعمها في حال مباشرتها سياسة التحرير، كما فعلت مع الجارة جمهورية مصر العربية بدعمها بـ ٣ مليارات دولار”.
الحكومة الانتقالية في السودان فشلت في إدارة الملف الاقتصادي بصورة مباشرة وأسهم ذلك في ارتفاع الأسعار والعملات الأحنبية بشكل كبير. وتعلق هالة حمزة: “فشل الحكومة الحالية في إدارة الملف الاقتصادي فشلا ذريعا.. اليوم نرى انفلاتاً في الأسواق.. أصبح التجار يبيعون السلع على حسب أهوائهم، لا توجد أي رقابة عليهم لا من الأمن الاقتصادي ولا من جمعية حماية المستهلك”. وتضيف: “الأسعار في الأسواق أغلبها ليست حقيقية بسبب مضاربات التجار في السلع الأساسية كالسكر والدقيق والزيت لمعرفتهم حاجة المواطنين لها، تجدها من دون سابق إنذار قد ارتفعت وبلا مبررات”.
ودعت هالة الحكومة إلى دعم المنتجين المحليين وتشجيعهم، قائلة “يجب على الحكومة الانتقالية دعم الإنتاج المحلي والمنتجين بتخفيض الجبايات والضرائب ومراقبة الأسواق، كما أدعو الحكومةأيضا لإنشاء جمعيات تعاونية في المحليات والمناطق الطرفية، وكذلك في القرى والولايات”.
وترى أن انخفاض الدخل والمرتبات للفرد مع ارتفاع المنصرفات جعل العملية الشرائية ضعيفة جدا “ربات المنازل تعي أن الدخل أصبح لا يكفي لتلبية كل الاحتياجات، فلذلك أصبحن يحاولن شراء الاحتياجات الضرورية وترك الأشياء الثانوية، كما أن جشع التجار جعلهم متضررين من عدم البيع وكساد البضائع وركوض الأسواق”.