آخر الأخبار

البطالة.. خطرٌ داهم ومهددٌ حقيقي بالسودان

 

تقرير- مصطفى سعيد

الشاب أبوبكر محمود صاحب الثمانية وعشرين ربيعاً، كان يعتقد أنه وبمجرد إنهائه سنوات الدراسة في كلية الهندسة ستبتسم له الحياة ويحقق جميع أحلامه، ويبدأ في تنفيذ مخطط الحياة الوردية التي رسمها في مخيلته، ولكن سرعان ما اصطدم بالواقع، واكتشف أن ما يخطط له أبعد ما يكون عن الواقع، وأن الدخول إلى سوق العمل ليس بالأمر السهل. قضى أبوبكر السنين الأولى من بعد تخرجه دون عمل وكان طيلة هذه الفترة ينتظر الفرصة المناسبة، ليجد أن الدهر قد سرق ثلاث أو خمس سنوات من عمره.

يُصنف السودان على أنه دولة شابة وعلى حسب آخر التقارير الرسمية أن 42٪ من سكانه هم من فئة الشباب، ويشير معدل البطالة الصادر من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن نسبة العاطلون عن العمل في السودان ظلت في حالة تذبذب من العام 2010 وحتى 2020، ووفقاً لتقرير سابق صدر في العام 2017 من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، فإن نسبة البطالة بلغت 32.1%  من حجم القوى العاملة في البلاد والبالغة نحو 25 مليون شخص، فيما يصل عدد السكان الإجمالي إلى 41.7 مليون نسمة، كما تبلغ أعداد العاملين حالياً في الدولة والقطاع الخاص نحو 17مليوناً، من جملة 25مليوناً قادرين على العمل، والذين تتراوح أعمارهم بين سن الـ 18 و55عاماً، والملاحظ أن هناك فروقات كبيرة بين عدد العاملين، وجملة العاطلين عن العمل.

من هو العاطل عن العمل؟

وفقاً لتعريف منظمة العمل الدولية، فإن “العاطلين” هم أولئك الأشخاص الذين لا يعملون حاليًا، ولكن لديهم الاستعداد والقدرة على العمل مقابل أجر، والأشخاص المتوفرون حالياً للعمل، والأشخاص الذين يبحثون بنشاط عنه.

يقول الشاب الأمين مصطفى إن كلمة عاطل أصبحت أشبه بوصمة عار تُطارد كل الشباب الذين لم تتح لهم فرص عمل.

أسباب البطالة

للبطالة في السودان أسباب متعددة لعل أهمها عدم وجود انسجام ما بين التخصصات الجامعية واحتياجات سوق العمل، فالكليات سنوياً تُخرّج جيوشاً من حاملي الشهادات، ولكن تخصصاتهم هذه لا تتواءم مع سوق العمل.

كما أن العامل الاقتصادي يلقي بظلاله على هذه الأزمة، بالإضافة إلى المحسوبية التي كان ينتهجها النظام البائد في التوظيف، حيث تم إبعاد الكثير من الكفاءات الشابة لصالح الموالين للنظام، وهذا الأمر أثّر سلباً في الخدمة المدنية بشكل عام.

وذكر الشاب أكرم محمد، أنه قدم في فترة النظام البائد لوظيفة تتبع لشركة الكهرباء، وكان هو وزملاؤه الـ٢٥ الذين قدموا لهذه الوظائف مستوفين لكل الشروط المطلوبة، وعندما ظهرت نتيجة القبول إذ بهم يُفاجؤا بأن الأسماء الظاهرة في قائمة المقبولين لم تكن ضمن قائمة المقدمين أصلاً!

هناك سبب آخر للبطالة، وهو الشروط التعجيزية التي تُطلب من حديثي التخرج عند التقديم لوظيفة، وكما يقول الأمين مصطفى إن المؤسسات تطالب الشباب حديثي التخرج بشروط غير منطقية مثل اشتراط سنوات للخبرة في المجال المعين، في حين أن الشباب لكي يكوّنوا هذه الخبرة عليهم أن يعملوا

وهذا الأمر يُفوِّت فرص عمل على كثير من الشباب ويجعلهم حبيسي دائرة البطالة.

وترى تالين الفاضل أن البطالة هي خيار قبل أن يكون أمر لديه مسببات أخرى. وتضيف: “من يرد العمل فإنه سوف يعمل، بغض النظر عن الظروف والتحديات، ولكن الشباب غالباً ما يُصابون بحالة من اليأس بعد التخرج عندما يجدون أنه ما من خيارات مطروحة أمامهم، وهذا اليأس يقود الكثيرين إلى رفض أي عمل لا علاقة له بمجال التخصص، شخصياً أنا لم أكمل دراستي الجامعية إلا أنني أعمل كمدرسة خاصة للغة الإنجليزية بجانب دراستي للآداب، ولست متوقفة على تخصصي فإن جاءتني فرصة عمل في أي مجال أستطيع أن أؤدي فيه بشكل جيد فلن أتردد لحظة”.

عمل مؤقت

يقول إبراهيم سيد أحمد، إنه ومنذ تخرجه في العام 2015، من كلية الهندسة الزراعية، لم يجد فرصة عمل في مجاله، وكان يرفض فكرة العمل البديل إلى حين إتيان الفرصة، وبعد عامين من البطالة قرر الدخول إلى مجال التجارة كعمل مؤقت، ويقول: “تدرجت في التجارة بدءاً بشراء وبيع الهواتف المحمولة، وأعمل الآن في متجر لبيع الأدوات الكهربائية، ورغم أن هذا العمل لم يكن طموحي، إلا أنه خير من الجلوس بالمنزل”.

فيما ترى تهاني الباقر أن الجلوس بالمنزل خير لها من عمل لا يوفر لها الحد الأدنى من الاحتياجات، فمنذ تخرجها في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية قبل عامين توظفت لمرة واحدة ولم تستمر في الوظيفة لأن العائد المادي قليل. وتقول تهاني: “خلال الدراسة بذلت مجهوداً مادياً وبدنياً، إلى أن نلت شهادة التخرج، لذلك يجب أن يكون العمل تعويضاً مستحقاً لكل السنين الماضية والجهد المبذول”.

مخلفات البطالة

تؤثر البطالة في الدولة ككل في عدة جوانب، أبرزها الجانب الاقتصادي، فعندما يقل عدد القوى العاملة تبدأ عجلة الإنتاج في التدهور ويصبح المجتمع استهلاكي أكثر من كونه منتجاً.

وهناك تأثير نفسي لهذه المشكلة كبير جداً على نفوس العاطلين عن العمل، وهناك تأثيرات اجتماعية، فالفراغ الذي يتنتج جراء البطالة يقود الفرد إلى ملئه بأي طريقة، وغالباً ما تكون هذه الطرق الهدف منها الهروب من الواقع، مثل الوقوع في فخ التعاطي، والحاجة كذلك تقود إلى السرقة وارتكاب الجرائم، وتعد الهجرة غير الشرعية أكبر نتيجة من نتائج تفشي البطالة وانعدام فرص العمل، حيث يقرر اللاجئ البحث عن فرص أخرى في بلدان مختلفة، وهذه الهجرات غير الشرعية دائماً ما تؤدي مخاطرها بحياة الكثير من الشباب.

فرص جديدة

مع ندرة فرص العمل لجأ شباب كثيرون إلى البدء في العمل على مشاريع إنتاجية صغيرة لتجنب البطالة والشروع في تكوين الذات.

الخريجة سعدية أحمد بدأت في العمل على مشروعها الخاص، والمتعلق بالصناعات اليدوية والاكسسوارات. تقول سعدية: “هناك مهددات تُعيق استمرار هذه المشاريع الصغيرة، أولها التمويل المحدود، الذي لا يتماشى مع الارتفاع المطرد لأسعار المواد الخام، بالإضافة إلى مشكلة التسويق، فالتسويق في الأساس يعتمد على وجود مكان، والإيجارات أصبحت غالية جداً، لذلك نعتمد على التسويق الإلكتروني عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمجموعات بنشر أعمالنا ومواصفاتها”.

كما أن هناك شباباً استقلوا بأعمالهم الخاصة التي بدأت كمشاريع صغيرة، الشاب محمود الزين صاحب مشروع (H-M بيرقر بشارع النيل) وهو مطعم صغير لبيع الوجبات السريعة، بشارع النيل بأم درمان، ويعلق محمود قائلاً: “إن الظروف المعيشية التي تمر بها البلاد جعلتنا نسعى لكسب الرزق بشتى الطرق، وعلى الشباب الاجتهاد وعدم الاتّكال على شماعة الظروف وتجريب أي عمل طالما أنه عمل حلال”.

شاركها على
اقرأ أيضًا
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.